الاثنين، 8 أكتوبر 2012

الكيلاني وتعرية الصوفية.. قراءة أولى (2/2)

ومازال حديث الأمس موصولاً اليوم، فالكيلاني استطاع أن يسخر كل أدواته القصصية ويحشد كل قراءاته وثقافاته المعرفية حينما أراد الكشف عن حقيقة هذه النحلة من خلال قصته "ولي الله" فمن ذلك: 
ثالثاً: القصة تذخر ببعض أبجديات المعجم الصوفي، مثل: أهل الخطوة، والواصلين الذين سقطت عنهم التكاليف، ".. قال الراوي: شيخنا يصلي في الكعبة كل مساء.. إنه من أهل الخطوة". وكذلك حفلت القصة ببعض مواقع بدعية نراها جلية على خارطة المذهب الصوفي، مثل: "الأضرحة، الدراويش، الأغاني الصوفية العذبة،..". 
رابعاً: استطاع الكاتب - بجدارة- أن يوظف الصراع الذي" اتفق النقاد على أنه هو الذي يمنح القصة الحياة، ويبعث فيها الحركة، ويدفع إلى تطوير الأحداث ونموها، ويحدث التفاعل بين الشخصيات". 
فبواسطة هذا العنصر كشف الكاتب عن واقع الصوفية وخللهم في تربية أبنائهم فصراع "أحمد" وأبوه "وهدان" على قلب "نعناعة" وفوز الولد وانتصاره بل وزواجه من نعناعة وهربه معها، وخسارة الوالد والتسبب في مرضه ثم موته حسرة على حبيبته، هذه الأحداث تكشف عن سوء تربية الصوفية، وبعدهم عن ذويهم وعن متابعة أولادهم وانشغالهم بأورادهم وخلواتهم! 
صراع آخر ولكن على جبهة مغايرة وهو صراع المريدين مع "عبد المطلب" تاجر المخدرات والذي أخذ يهتم ".. بالشائعات التي تلاحق الشيخ ونعناعة.. وأخذ يتقصاها وينشرها في  كل مكان، ولم يأل جهداًَ في تنميقها والمبالغة فيها..". 
هذا الصراع كشف عن شدة اعتقاد المريدين في شيخهم وقولهم بعصمته والمبالغة والمغالاة فيه إلى الدرجة التي تخرجه عن بشريته، والتي تنتهي إليه الصوفية مع مشايخهم. 
خامساً: الحوار كذلك وظفه الكاتب كأداة فنية، ويمكن أن يكون قولنا في الصراع متوافقاً مع ما سنقوله في الحوار، فالحوار هو الآخر وظفه الكاتب ليكشف به عن ضلال هذه الفرقة وليقدم به تعريفاً لبعض مفرداتهم، ولنضرب أمثلة على ذلك من القصة: ما جاء على لسان الشيخ "ناصف" مؤذن المسجد الكبير: "الواصلون ليسوا مثلنا.. فالفرائض وأوامر الشرع لأمثالنا ناقصي الإيمان، أما أمثال الشيخ "وهدان" فلهم حكم آخر.. لقد كُشف الحجاب عن بصرهم وانتهى الأمر.. شيخنا يصلى في الكعبة كل مساء.. إنه من أهل الخطوة". 
وأجد قلمي مضطراًَ للوقوف عند هذه النقطة فعالم الكيلاني عالم كبير، وتقصي مظان الإبداع فيه قد يطول، ولكن حسبي في كل ذلك شرف المحاولة، مع العلم بأن وقوفي مع القصة كان يسيراً بالقدر الذي يتصل بالموضوع - الصوفية- فرحم الله الكيلاني وأثابه جزاء ما قدم .. والحمد لله رب العالمين.

الكيلاني وتعرية الصوفية.. قراءة أولى (1/2)

يظل نجيب الكيلاني- رحمه الله ـ عملاق القصة الإسلامية بلا منازع، فهو رائدها وصاحب السبق فيها، والمنظر لها، وما ذلك إلا لغزارة إنتاجه وسلامة منهجه وعمق تفكيره وتناوله لقضايا الأمة من أقصاها إلى أقصاها، وإن كنا لا نقول بعصمة الرجل، فكل يؤخذ من قوله ويرد، ومن أبرز إنتاجه الذي يخرج عن الخط الإسلامي - إن صح التعبير-" ليل الخطايا" والتي رفض الكاتب ـ رحمه الله- إعادة طباعتها للمرة الثانية، وكذا روايتيه: "الربيع العاصف" و"في الظلام" ولكن بنسبة أقل. 
ولعل سر نجاح الكيلاني "1931م –1995م" الأدبي يكمن في (سحر بيانه) فالرجل صاحب أسلوب رائع في الكتابة، رائع في العرض، رائع في الحبكة القصصية التي تأخذك ثم لا تدعك، وتأسرك ثم لا تطلقك إلا وقد أتيت عليها. استحضر هذا الكلام جيداً وأنا أعيش أحداث قصة "ولي الله" والتي جاءت ضمن مجموعته "عند الرحيل" فالقصة تحكي عن الشيخ "وهدان" شيخ الطريقة الصوفية، حيث اللحية الكثيفة والسبحة الطويلة والدموع المنسكبة، تأثراً بالتواشيح الشركية والاستغاثات القبورية بالأموات: 
"يا بنت الأطهار 
أنا المحتار داويني 
جدك له المعجزات 
ملأت دواويني" 
والشيخ وهدان هذا دائم الخلوة في بيته، أو في أحد الأضرحة التي يرتادها ويؤمها بعيداً عن الناس، وبعيداً حتى عن أولاده الذين كانوا في قمة الاستهتار بالدين والأخلاق، وما ساءت التربية إلا من سوء المربي الذي غفل عنهم، وأهمل الأمانة التي ائتمنه الله عليها، والمسؤولية التي سوف يسأل عنها، ولكنهم هكذا هم دائماً فئة الخاسرين أعمالاً الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. 
ويمضي الكيلاني في سرد أحداث هذه القصة وذلك من خلال عرض مشوق، ممسكاً بخيوط الحبكة القصصية التي أتقنها، وألف أدواتها، حيث يعرض فئام الدراويش التي تقبل على الشيخ وهدان.. تقبل يديه في شغف، وتعفر جباهها بالتراب الذي يسير عليه وتتسابق إلى الماء المتخلف من وضوئه كي تتبرك به، وتتداوى من السقام. 
وحتى عندما تنفجر في القرية إشاعة مفادها أن الشيخ وهدان يتردد على بيت "نعناعة" ينبري المريدون للدفاع عن شيخهم، وكاهنهم، فتارة يتسلون ويتسرون بما قيل في المصطفى صلى الله عليه وسلم. وتارة يدعون بأن إمامهم من أهل الخطوة الذين بلغت بهم الكرامة أنهم يصلون في الكعبة بأرواحهم وربما بأجسادهم وهم بين ذويهم وأصحابهم.. 
لكن الشمس تسطع والغبار ينجلي والدخان ينكشف عن نار الحقيقة، فالشيخ قد وقع في حمأة الرذيلة، ومستنقع الخطيئة الآسن، وأنى لقلب ملئ بالخزعبلات، واقتات على الخرافة أن يصمد أمام طوفان الشهوة، ورياح الفتنة، لقد أحب الشيخ وتعلق قلبه بالغانية "نعناعة" من دون الله ـ تعالى- وبلغ به الحب إلى درجة المرض، الذي كان قنطرة العبور إلى الدار الآخرة قال الراوي"أما الشيخ وهدان" فقد لزم داره، لم يعد يره أحد يمضي في الطريق؛ تشع منه التقوى والوضاءة، ولم يعد يتوسط حلقة الذكر، ولم تعد تلمع دموعه فوق لحيته وهو يستمع إلى أغاني المتصوفين، وألزمه المرض الفراش لثلاثة شهور ولم يغادر بيته إلا يوم وفاته.. 
وقبل أن نطوي صفحات هذه القصة المشوقة في عرضها، الماتعة في أحداثها، يمكننا أن نكتشف سر نجاح الكيلاني في تعرية الواقع الصوفي من خلال الوقفات التالية: 
أولاً: صدق التصوير للواقع الصوفي- والأدب مرآة صادقة للحياة- وقد تأتي ذلك للكيلاني من خلال رافدين هما: 
أـ وجود الكاتب في "طنطا" أرض أحد أكبر الموالد، وقبلة الصوفية مما سمح له برؤية هذا الواقع عن قرب والوقوف على حقيقته عن كثب. ب ـ سعة القراءة والاطلاع في الكتب التي تناولت الصوفية، فهذه القصة تذكرنا بما نقله ابن الجوزي في تلبيس إبليس. والذي عرض فيه لما يحصل للمتصوفة من تلبيس وأسهب في ذلك كثيراً. 
ثانياً: معالم الصوفية تظهر بوضوح من خلال هذه القصة فهناك الثالوث الصوفي(الطريقة-الشيخ- المريدون) والتصوف في نظر معتنقيه طريقة وحقيقة معاً! 
والطريقة مما يدين به الصوفية، ولعل المريدين في هذه القصة قد امتثلوا الطريقة الإشراقية والتي  يقول عنها ابن عجيبة- واصفاً آدابها. 
وللقوم في لقاء المشايخ آداب منها تقبيل يد الشيخ ورجله... ومنها جلوسهم بين يديه على نعت السكينة والقار. وهذا الذي أراده الكيلاني عندما قال عن "طائفة المريدين وآدابهم مع شيخهم".. تقبل يديه في شغف، وتعفر جباهها بالتراب الذي يسير عليه.. 
ولعل العصمة التي  جعلها الله- سبحانه وتعالى ـ لأنبيائه فيما يبلغون عن ربهم جعلها المتصوفون لشيخهم فهم يرفضون مجرد الإشاعة التي تنال من "وهدان" ويرون ذلك مجرد  محاولة قذرة للنيل من قداسة الشيخ. 
والشيخ كمعلم من معالم الصوفية يأخذ في القصة موقع البطل أو الشخصية المحورية التي تقوم عليها أحداث القصة. "فالصوفية يغدقون عليه كل صفات الألوهية والمريد الذي لا يعتقد بشيخه القدسية الإلهية لا يفلح.. بل ولا بد في التصوف من التأثير الروحي الذي لا يتأتي إلا بواسطة الشيخ الذي أخذ الطريقة عن شيخة. 
"وللحديث بقية" 
  
·        نجيب الكيلاني .. أبو الرواية الإسلامية 

الثلاثاء، 29 مايو 2012

الحضارة السوداء - مسرحية فصل واحد


بقلم محمد علي البدوي

المنظر: جزء من غرفة نوم مضاءة إضاءة خفيفة، حيث تظهر صورة معلقة على حائط الغرفة، ومكتب صغير في الوسط، وأوراق مبعثرة هنا وهناك. 
المشهد: صاحب الغرفة- سالم يظهر وهو يجوب الغرفة يمنة ويسرة، وكأنه يفكر في أمر ما.. 
سالم : لابد .. لابد.. من مشروع كبير وضخم .. و.. و.. وحديث.. ترى ما هو هذا المشروع؟ ما هو؟..(يتوقف قبالة الجمهور) وجدته.. شقق مفروشة للعزاب.. نعم للعزاب.. شريحة مهملة.. ومحتقرة.. وحاجتهم للسكن ملحة؛ لا سيما وأنهم غرباء مساكين.. سأستغل هذه الفرصة.. التجارة مهارة.. و.. و.. لكن ما هذا يا حاج سالم؟.. أين أخلاقيات التاجر المسلم؟.. أين الصدق والأمانة؟ والعطف على المساكين؟.. لا..لا.. سأترك هذا المشروع وأبحث عن مشروع آخر. آخر..آخر.. نعم.. لقد وجدته.. مشروع الموسم.. مؤسسة عملاقة متخصصة في الصرف الصحي!! المدن الكبيرة والمجمعات السكنية الضخمة تشتكي من طفح مياه المجاري التي تهدد البنية التحتية.. وبالتأكيد سيدفعون كل ما أريد في سبيل تخليصهم من هذه المشكلة.. و.. و.. ولكن ما هذا (يضع يده على أنفه) صرف صحي.. مجاري.. ما هذه القذارة يا حاج سالم؟ يجب أن تتنزه عن هذه الأعمال الممتهنة ..آووه.. لقد تعبت في الحصول على مشروع أضرب به السوق، وأحقق به الأرباح العالية.. 
أنا أبحث عن مشروع حديث يدر عليّ الملايين، يحتاج إليه الناس جميعاً ويبحثون عنه.. إذن ما هو هذا المشروع؟! (يقف فجأة) وجدته.. وجدته.. يا لسعادتي (يدور حول نفسه) يا لسعادتي!! السعادة.. الجميع يبحث عنها.. الصغير والكبير.. الغني والفقير.. يبذلون من أجلها الأموال.. يسافرون إليها في كل مكان.. سأقدمها لهم في أطباق من ذهب.. سأطلق قنبلة القرن.. سأكون حديث العالم.. الصحف والمجلات.. ومحطات التلفزة.. وأجهزه الحاسوب.. ومواقع الإنترنت.. يا للسعادة.. إلى السعادة يا سادة.. إلى السعادة. 
"تضاء خلفية المسرح.. لوحة عملاقة كتب عليها "الحاج سالم.. للسعادة الجاهزة" يظهر سالم تحت اللوحة في الانتظار.. يسمع وقع أقدام.. يظهر من يمين المسرح رجل عجوز وقد اكتسى رأسه بالشيب.. تتضح معالم العجوز شيئاً فشيئاً، إنه الروائي الأمريكي "همنجواي".. 
همنجواي: طاب مساؤك. 
سالم: ومساؤك. 
همنجواي: الحاج سالم.. صاحب حانوت السعادة؟ 
سالم: بشحمه ولحمه، واسمه ورسمه.. أنا سالم، وهذا الحانوت (يشير إلى اللوحة) 
همنجواي: شكراً لله.. لقد وصلت أخيراً. 
سالم: هل من خدمة يا سيدي؟ 
همنجواي: يبدو أنك لا تعرفني. 
سالم: يسرني أن أتعرف. 
همنجواي: أنا همنجواي.. الروائي الأمريكي. 
سالم: "الشيخ والبحر" و"لمن تقرع الأجراس".. و"مئة عام من العزلة"؟!! 
همنجواي: (مقاطعاً) بل مئة عام من الشقاء والتعاسة.. صدقني يا بني صدقني 
سالم: وجائزة"نوبل"؟ 
همنجواي: جائزة نوبل، والأضواء، والشهرة، والأموال لم تصنع ليّ السعادة إنني في بحر متلاطم من القلق والمرض والوحدة.. أحس أن شيئاً عظيما ينقصني. 
سالم: و.. 
همنجواي: وجئت إليك في سبيل الحصول على السعادة التي بحوزتك.. سأدفع لك كل أموالي وأضوائي وشهرتي.. فقط امنحني السعادة.. امنحني السعادة.. أرجوك. 
(يجثو همنجواي على ركبتيه ويستند إلى كفيه.. ويجهش بالبكاء.. بينما تسلط عليه إضاءة خفيفة.. وقع أقدام أخرى.. تضاء الإنارة.. يدخل شاب في الأربعين من عمره.. يبدو عليه القلق والاكتئاب، تظهر صورته بوضوح.. إنه "دايل كارينجي". 
دايل: عمتما مساءً 
سالم: السلام على من اتبع الهدى. 
دايل:أيكما الحاج سالم؟ 
سالم: نعم.. هل من خدمة؟ 
دايل: أنا "دايل كارينجي".. جئتك من أقصى الأرض أنشد السعادة التي أعلنتها عبر موقعك في الإنترنت.
سالم: أنتظر قليلاً.. انتظر (يهرش رأسه).. كارينجي.. "دع القلق وابدأ الحياة" ألست أنت..؟ 
دايل: بلى! أنا من كان يعالج القلق.. أنا من كان يشق للناس طريق السعادة.. لكنني أقسم لك يا سيدي أنني أعيش القلق الآن.. أعيش العذاب.. حاولت أن أوهم نفسي بالسعادة.. شربت كثيراً.. أكلت حتى أتخمت.. رقصت حتى تعبت.. ولكن.. لا فائدة.. لا فائدة!! 
سالم: عجيب! 
دايل: لا تعجب.. يا سيدي إنها الحقيقة المرة.. نعم، هي ما أحدثك به الآن. 
سالم: وكتبك ومؤلفاتك وأموالك وشهرتك؟! 
دايل: إنها المزيد من الشقاء.. بل هي الشقاء بعينه.. أرجوك لا تكثر عليّ يا سيدي وامنحني سعادتي.. وسأمنحك كل ما تريد.. أرجوك.. أتوسل إليك! 
(ينتبذ مكاناً قصياً من المسرح ويجهش بالبكاء حيث تسلط عليه الإضاءة.. وقع أقدام تقترب أيضاً.. يظهر رجل في الخمسين من عمره وقد عصب رأسه وذقنه بعصابة من القطن الأبيض.. تتضح معالمه.. يظهر للجمهور.. إنه الفنان العالمي "فان جوخ".. يقترب من الحاج سالم. 
جوخ: هنا سالم؟ 
سالم: أنا سالم.. وأنت؟ 
جوخ: فان جوخ.. الفنان العالمي. 
سالم: بالطبع أنت عالمي.. ومحظوظ بالشهرة والملايين. 
جوخ: (في حزن) هكذا يقولون! 
سالم: يقولون..؟! 
جوخ: بل يزعمون.. إنهم لا يعلمون بالجحيم الذي أعيشه.. أتنفسه.. أمضغه.. ها..ها..ها..(يضحك) 
سالم: يا سيد فان! 
جوخ: (وقد تشبث بسالم) بل أنت سيدي.. أنت منقذي.. سأهبك كل ما أملك من أجل الحصول على سر الحياة.. إكسير الحياة الذي بحوزتك.. السعادة. 
سالم: (في خبث) كل ما تملك.. حسناً. 
(تعود الإنارة فيظهر الجميع في المسرح) 
همنجواي: أنا الذي سأدفع لك ما تريده. 
دايل: بل أنا سأكتب لك شيء.. كل شيء. 
جوخ : بل أنا. 
همنجواي: قلت لك أنا! 
دايل: اصمتا.. أنا الذي سأحصل على السعادة أولاً. 
سالم: ها..ها..ها.. (يضحك) أشقياء.. لا يمكنكم الحصول على إكسير السعادة. 
الجميع: لماذا؟ 
سالم: لأنكم تأخرتم كثيراً.. كثيراَ جداً. 
الجميع: تأخرنا؟!! 
سالم: نعم ياسادة.. لقد انتحرتم.. اخترتم نهايتكم بأنفسكم.. الشهرة.. الأضواء.. المعجبين.. السيارات الفارهة.. العمارات الفاخرة.. والأموال الطائلة.. لم تمنحكم السعادة.. أما أنا فسر سعادتي في قلبي.. في إيماني بربي.. وقناعتي برزقي.. ويقيني بدربي.. في صلاتي.. سعادتي في يدي (يصرخ) هيا انصرفوا؛ لن أبيعكم سعادتي.. هيا.. هيا! 
الجميع: لا..لا..لا!! 
(تطفأ الإنارة.. يعم الظلام المسرح، وتختفي الأصوات.. يضاء المسرح وتظهر غرفة وقد خلت من كل شيء إلا من سرير النوم وعليها سالم يتقلب على فراشه وهو يصرخ) 
سالم: هيا.. انصرفوا..انصرفوا! 
"يدخل صديقه خالد ينظر إلى الساعة ثم إليه ليوقظه" 
خالد: أووه، أما زلت نائماً.. سالم هيا استيقظ. 
(سالم يستيقظ وهو يغالب النوم) 
سالم: أين أنا؟ 
خالد: أنت هنا يا سيدي.. 
سالم: وأين فان جوخ .. ودايل كارينجي؟! 
خالد: سالم.. ما الذي حدث لك؟.. لقد تأخرت كثيراً عن موعد المقابلة في الوظيفة الجديدة.. هذه عاشر مؤسسه نتقدم لها. 
سالم: وظيفة.. أية وظيفة 
خالد: أووه.. هل ستعود مرة أخرى؟! هل نسيت أننا نبحث عن وظيفة منذ سنتين بلا فائدة؟ 
سالم:ولكن مشروعي القادم.. 
خالد: (مقاطعاً) عدت للحديث عن مشاريعك.. سأنصرف وأتركك للأحلام... وداعاً. 
سالم: (وهو يهم بالخروج) خالد .. انتظر يا صديقي.. انتظر 
(يتبعه سالم .. تطفأ الإنارة) 
ستارة

حدث في بلاد الأقدام





- أي زمن هذا الذي نعيشه .. زمن العقول أم زمن الأقدام ؟!

المشهد الأول 

المنظر : مجلس الوالي . 

المشهد : يدخل الحاجب مسرعاُ . 

الحاجب ( فزعاً ) : مولاي .. مولاي . 

الوالي : ماذا هناك ؟ ماذا دهاك ؟ وماذا وراءك ؟ 

الحاجب : السلام عليكم ( يصافح الجميع ويعانق الوالي ) 

الوالي ( في ضجر ) : اووووه .. قل ماذا أصابك يا حاجبي ؟ 

الحاجب : أبداً .. أبداً .. وفد بني عمنا .. على الباب .. يستأذنون بالدخول . 

الوالي : ماذا ؟ أبناء عمومتنا يستأذنون .. يا للعار والشنار . 

الحاجب : هل تأذن لهم يا مولاي ؟ 

الوالي : أحمق !! فليدخلوا فوراً .. فوراً . 

الحاجب : وفد بني عمنا ... 

( يدخل الوفد فيستقبلهم الوالي بكل حفاوة وترحيب ) 

الوالي : يا مرحباً .. يا مرحباً .. بابن العم ووفده الكريم . 

الشاعر : أشرق النور وبانا ... مرحباً بمن أتانا 

أيها الزائر أهلاً ... لك في القلب مكانا 

الوالي : أحسنت .. أحسنت أيها الشاعر .. امنحوه عشرة آلاف درهم . 

الشاعر : مرحباً بمن وصل في العيون واتصل 

دارنا هي المحل في القلوب والمقل 

الوالي : عظيم .. عظيم .. امنحوه عشرة آلاف أخرى من بيت مال المسلمين . 

الشاعر : اووووه .. هذا كثير .. كثير يا مولاي . 

الوالي : حسناً .. اجعلوها ألف درهم فقط . 

الشاعر : لا .. لا .. لقد كنت أمزح .. أمزح فقط .. يا مولاي . ( يخرج ) 

الوالي : مرحباً بابن عمنا .. وفده الكريم .. مرحباً بكم جميعاً . 

ابن العم : أكرمك الله .. يا مولاي .. وأدام عزك . 

الوالي : أيها الحاجب .. أيها الحاجب . 

الحاجب : السلام عليكم ( يعانق الجميع والوالي أيضاً ) . 

الوالي ( في ضجر ) : حاجبي . 

الحاجب : واجب الضيافة يا مولاي . 

الوالي : أحسنت .. فلتقم الأفراح .. والليالي الملاح . 

الحاجب : الأفراح والليالي الملاح . 

الوالي : وزيدوا في أجور العمال .. وارفعوا المكوس عن الناس . 

الحاجب : المكوس .. والناس .. الأفراح والليالي الملاح . ( يخرج )

الوالي : أهلاً .. وسهلاً بالجميع .. حياكم الله وبياكم الله . 

ابن العم : ما شاء الله .. لقد بسط الله لك في الملك والسلطان . 

الوالي : ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله .

ابن العم : ولقد أحببنا زيارتكم حتى .. حتى .. تقوى العلاقة . 

الوالي : العلاقة !! نعم .. نعم .. أهلاً وسهلاً بالعلاقة .. ولكن أين هي ؟!

ابن العم : من يا ابن العم ؟ 

الوالي : العلاقة ! لماذا لم تأتي معكم !

ابن العم : ها .. ها .. أقصد القربى والرحم .. الرحم يا مولاي . 

الوالي : ها .. ها .. أعرف ذلك .. أعرف .. حياكم الله .. حياكم الله . 

ابن العم : وإن عندنا لرأي .. نرجوا أن توافقنا عليه . 

الوالي : قل يا ابن العم .. فرأيك سديد .. وأمرك مطاع . 

ابن العم : أنت تعلم يا ابن العم .. أن شعوبنا تحب لعبة الأقدام .

الوالي : بالطبع .. شعبي كله يلعب هذه اللعبة ويجيدها . 

ابن العم : جميل .. جميل . 

الوالي : والذي لا يلعب عندنا يشجع .. الحمد لله .. الأمة كلها تلعب .. 

ابن العم : فما رأيكم .. دام عزكم .. أن نقيم مباراة بيننا وبينكم . 

الوالي ( مطرقاً ) : مباراة وبيننا وبينكم !! 

ابن العم : الرياضة .. تقرب الشعوب وتزرع المودة بين الناس . 

الوالي : الرياضة تفعل كل هذا !!

ابن العم : وأكثر .. وأكثر يا ابن العم .. ما رأيكم دام فضلكم ؟ 

الحاجب ( مقاطعاً ) : نوافق .. نوافق .. ونبارك هذا الرأي . 

الوالي ( مقاطعاً ) : أيها الحاجب .. 

الحاجب ( وقد خفض صوته ) : نوافق .. نوافق .. بعد موافقتكم السامية .. يا مولاي . ( يخرج )

الوالي : لا بأس .. نوافق . ولتكن المباراة على ملعبنا وبين جمهورنا . 

ابن العم : لو أذن مولانا .. وابن عمنا .. أنتم أسياد هذه اللعبة .. 

الوالي : نعم .. نعم .. نحن أسياد هذه اللعبة وأنتم الموالي . 

ابن العم : فلو كانت المباراة على ملعبنا وبين جمهورنا.. 

الوالي : لا بأس .. لا بأس .. اتفقنا .. على بركة الله . 

( يدخل رجال الإعلام ويلتقطون الصور التذكارية لهما ) 

مذيع1 ( للوالي ) : ماذا يقول مولاي بمناسبة اللقاء المرتقب ؟ 

الوالي : أقول أن اللقاء ودي والمباراة حميمة بين أبناء العمومة . 

مذيع1 : ما هي أبرز استعداداتكم الجارية للمباراة ؟ 

الوالي : ليس هناك استعدادات .. فالمباراة كما أسلفت ودية وحميمة . 

مذيع2 : ابن العم ماذا يقول بمناسبة لقاءكم مع بلاد الأقدام ؟ 

ابن العم : أقول أن الكلمة النهائية نتركها للميدان .. الميدان فقط .. وشكراً . 

الحاجب ( رافعاً صوته ) : الطعام جاهز .. يا مولاي . 

الوالي : تفضلوا .. تفضلوا أيها السادة على مائدتنا العامرة .. تفضلوا .. 

ستارة 



المشهد الثاني 

المنظر : مجلس الوالي . 

المشهد : يدخل الوالي مغضباً وخلفه الحاجب . 

الوالي : ما هذا الكلام الذي تقوله أيها الحاجب ؟!

الحاجب : هذا الكلام الذي تقوله صحفهم ويردده إعلامهم . 

الوالي : لا يمكن .. مستحيل . 

الحاجب : عليّ بالصحف والمجلات . 

( أحد الحراس يقدم له مجموعة من الصحف )

الحاجب : انظر .. اقرأ يا مولاي . 

الوالي : احم .. احم ..

الحاجب : عفواً .. لقد نسيت أنت لا تعرف الكتابة والقراءة .. انظر . 

الوالي : نعم .. 

الحاجب : الخبر الأول : نحن أسياد لعبة الأقدام !! ورجالنا سيثبتون ذلك . 

الوالي : هم أسياد اللعبة .. 

الحاجب : الخبر الثاني : اشهد يا تاريخ واكتب يا زمن نهاية أسطورة بلاد الأقدام . 

الوالي : الويل لهم ..

الحاجب : لقد جلبوا أمهر اللاعبين وأفضل المدربين العالميين من أجل هزيمتنا . 

الوالي : لا .. لا .. لا يمكن .

الحاجب : وأخشى ما أخشاه .. أن يستعملوا السحر والشعوذة من أجل هزيمتنا . 

الوالي : هذا كثير .. كثير .. نحن أسياد اللعبة ويجب أن ننتصر . 

الحاجب : نعم يجب أن ننتصر . 

الوالي : أيها الحاجب .. دونك بيت مال المسلمين خذ منه ما تشاء .. أريدها هزيمة نكراء .. نكراء 

الحارس ( مسرعاً ) : مولاي .. لقد بدأت المباراة . 

الوالي : ماذا !! إنها خيانة !!

الحاجب : لقد فعلها الأوغاد . 

الوالي : جهزوا لي ديوان المشاهدة .. أريد أن أشاهد المباراة . 

الحاجب : لا يمكنك يا مولاي .. إنها مشفرة . 

الوالي : مشفرة !!

( يدخل أحد الجنود مضرجاً بدمائه )

الجندي : مولاي .. مولاي .. النجدة يا مولاي . 

الوالي : من هذا ؟ وما الذي حدث لك أيها الجندي . 

الحاجب : إنه أحد أعضاء الوفد المرافق للبعثة . 

الجندي : لقد هُزمنا يا مولاي .. سُحقنا .. كان التحكيم في صالحهم وحدث شغب جماهيري كبير..

الوالي : آه .. الويل لهم . 

الجندي : اعتدوا على لاعبينا وهاجموا سفارتنا وحطموها يااااااااااامولاي ( يسقط ) 

الوالي : إنه إعلان للحرب .. الحرب .. الحرب . 

الجميع : الحرب .. الحرب . 

الحاجب : ولكنهم أبناء عمومتنا !

الوالي : أصمت أيها الأبله .. ألم تقم حرب البسوس من أجل ناقة فلتقم حرب الأقدام من أجل لعبة .

الحاجب : الحرب .. الحرب . 

الوالي : أعدوا العدة .. أيها الجنود .. هيا إلى الحرب . 

( أصوات طائرات ودوي مدافع وطلقات رصاص ) 

ستارة 

البحث عن المعتصم - مسرحية فصل واحد



محمد علي البدوي
10/8/1424
06/10/2003 


المنظر : مغارة كبيرة شبه مظلمة . 
المشهد : قافلة بشرية صغيرة مكونة من مجموعة من النساء والأطفال والشيوخ وسط أصوات متقطعة من دوي المدافع وطلقات الرصاص وأزيز الطائرات .. تتوقف أمام فوهة المغارة شبه المظلمة . يتفاجأون برجل في وسطها وحوله جماعة صغيرة من الرجال والنساء والأطفال ..
ينتابهم فزع شديد ..
الرجل يشير لهم بيده اليمنى : لا عليكم .. ستبيتون معنا الليلة هنا . 
يقولون بصوت واحد : من أنت ؟ ومن هؤلاء الذين معك ؟
الرجل : أنا القائد .. وهذا ما تبقى من جماعتي ..

(يخرج له عجوز من بينهم )

العجوز بكل تعجب : قائد !.. قائد لمَنْ ؟!


( فجأة تضاء الإنارة )

ظهر في خلفية المسرح مناظر مروعة لمآسي المسلمين ، وقد كتبت عليها بلون الدماء " .. وا .. إسلاماه " . 
القائد ( وقد أخذته الدهشة ) : مسلمون ؟


( صمت يلف المكان )

القائد ( صارخاً فيهم ) : أجيبوا .. هل أنتم مسلمون ؟ .. هل أنتم مسلمون ؟


( يخرج إليه شيخ عجوز .. ويقف قبالة الجمهور )

الشيخ : ومن القوم إلا هم . 
القائد : ومن أين جئتم ؟. 
الشيخ ( وهو يشير إلى مجموعته ) : من كل بقاع الأرض .. 
القائد ( وقد أطرق إلى الأرض ) : إذن .. هي الحروب والمجاعة . 
الشيخ ( في حِدّه ) : ليست الحروب وحدها التي صنعت مأساتنا . 
القائد : ماذا تعني ؟ 
الشيخ : إخواننا .. خذلونا .. أسلمونا للأعداء .. لا ذو بالصمت وهم يشاهدون مأساتنا .. لم يتحركوا من أجلنا . 
القائد : و .. ولكنهم يساعدونكم .. يقدمون لكم الطعام .. والكساء .. 
الشيخ ( مقاطعاً ) : يسمّنوننا .. حتى نذبح كالأضاحي . 
القائد : لـ .. لـ .. لقد سمعت أنهم الآن يجتمعون لنصرة قضاياكم . 
الشيخ ( في حدّه ) : بالكلام .. يجتمعون حول موائد الكلام .. اسمع .. اسمع .. بربك ماذا يصدرون في مؤتمراتهم ومؤامراتهم .


( صمـــــــــــــــــت ) 

صوت خارجي : إننا ندين ونشجب ونستنكر وبشدة العدوان الصارخ ضد إخواننا المسلمين .. ونطالب الأمن الدولي بسرعة التدخل من أجل إنقاذهم .


( تصفيق حاد يملأ المسرح ).

الشيخ : أسمعت .. لقد تمخض الجبل فولد فأرة .. إنهم يطلبون النُصرة من أعدائنا.. يطلبون لنا الرحمة من جلاّ دينا . 
القائد : و .. و .. وماذا تريدون منهم ؟ 
الشيخ : أليسوا .. إخواننا في الدين والعقيدة .. أما تداعى النصارى لنصرة إخوانهم في تيمور الشرقية .. وفي جورجيا ... حتى أقاموا لهم دوله . 
القائد : نعم .. ولكن .. 
الشيخ : ولكنه الوهن .. الذي ضرب قلوبهم : حب الدنيا وكراهية الموت . لنا الله .. لنا الله ..


(تبدأ المجموعة بالتحرك خلف الشيخ الذي يهم بالمغادرة وهم يرددون:لنا الله. لنا الله..)

القائد ( مستوقفاً الشيخ ) : إلى أين أيها الشيخ ؟ 
الشيخ : لقد سمعنا أن قائداً عربياً مسلماً اسمه المعتصم أنقذ امرأة مسلمة سنذهب إليه .. ربما أنقذنا .. 
القائد : آه .. لقد مات منذ زمن .. 
الشيخ : لا بأس .. سنجد معتصماً آخر .. في رعاية الله يا بني . 


( يغادر الشيخ مع مجموعته وهم يرددون : لنا الله .. لنا الله .. بينما يقف القائد مذهولاً )

القائد ( في نفسه ) : لنا الله .. لنا الله ..


( يدخل أحد رجال القافلة مسرعاً )

الرجل ( في ذعر ) : سيدي .. سيدي .. الأعداء قادمون .. إنهم يضربون الكهف بطّياراتهم .. يلقون بالقنابل المحرمة .. يحرقون الأرض الخضراء .. يزرعون الموت في كل مكان .. إنهم قادمون .. قادمون .
القائد : بسرعة هيا .. اهربوا .. بسرعة .. 
الرجل : إلى أين يا سيدي ؟ 
القائد : سنبحث عن معتصم .. آخر .. هيا بسرعة .. بسرعة ..


( يرتفع صوت الطائرات .. ودوي المدافع والقنابل .. تطفأ الإنارة .. تختلط الآهات بالصرخات ).

احتلال الكوكب الأحمر







محمد علي البدوي
 4/6/1425 
21/07/2004 


المنظر : يضاء الجانب الأيسر من المسرح ، يظهر الرّئيس قلقاً متأمّلاً أمام شرفته، يعدل من ياقته ، يدخل إليه مساعده . 
المشهد : ( يدخل إليه مساعده ) . 
المساعد : السيّد الرّئيس ! 
الرّئيس : هل أعدَدْت الخطاب ؟ 
المساعد : ( يناوله ) تفضّل يا سيّدي . 
الرّئيس : ( يتناوله ) هل راجعه المدقق اللغوي ؟ 
المساعد : نعم يا سيّدي . 
الرّئيس : لا نريد الكلمات حجر عثرة في طريقنا . 
المساعد : لن يكون ذلك أبداً يا سيّدي . 
الرّئيس : وأين المُخرِج والإضاءة والدّيكور ؟ 
المساعد : كلّ شيء معدّ ومرتّب له سلفاً يا سيّدي . 
الرّئيس : وبقية الوزراء والمستشارين ؟! 
المساعد : سيقفون خلفك كالمعتاد . 
الرّئيس : والصّور والوثائق ؟! إنها هامّة 
المساعد : ستعرض في حينها، وسيتولّى وزير خارجيّتكم الإشارة إليها . 
الرّئيس : المعذرة يا مساعد، ولكن اللّحظة حاسمة . 
المساعد: اطمئن .. كلّ شيء جاهز .
الرّئيس : إنّ هذا الخطاب تاريخيّ، والعالم كله ينتظره، وسيشاهده الملايين من الناس، لقد أضحت بلادنا سيّدة الأرض، ويجب أن تصبح سيّدة الكواكب الأخرى أيضاً . 
المساعد : هذه سياستنا القادمة . 
الرئيس : ثم .. ثم إنّ الانتخابات على الأبواب وهذه ورقتنا الرابحة . 
المساعد : إنّنا نصلّي من أجل الفوز بها .
( يدخل نائب الرّئيس على عجل ) 

نائب الرّئيس : سيدي الرّئيس .. الجميع في انتظارك .. سنبدأ في التّصوير الآن . 
الرّئيس : ( للمساعد في رجاء ) مساعدي . 
المساعد : فليباركك الربّ يا سيّدي . ( يخرج الجميع ) 

تُطفأ الإنارة ثم تُضاء على الجانب الآخر ؛ يظهر مكتب الرئيس وخلفه خارطة العالم ، وعلم الدولة وعلى الجانب منه يقف المستشارون والعسكريّون وسبّورة عرض صغيرة، عليها صور أقمار وصخور وأحجار فضائية، وفي قبالة المكتب يقف المخرج ومساعدوه ، يدخل الرّئيس ويأخذ مكانه على المكتب . 
الرئيس ( للمخرج ) : كيف تسير الأمور ؟ 
المخرج : على خير ما يرام . 
الرئيس : حسناً .. هذا جيد . 
المخرج : سنبدأ الآن .. 3 ، 2 ، 1 ، 0 .. ابدأ . 

( تضاء الأنوار الكاشفة وتسلّط على الّرئيس الذي يشرع في إلقاء خطابه ) 

الرّئيس : أيها السّيدات والسّادة .. أيها العالم المتحضّر النبيل، لقد أصبح قدرنا أن نشارك بعضنا البعض في همومنا وقضايانا، إنّ جيلنا اليوم ومستقبل حياتنا وحياة أبنائنا في خطر، وعلى مشارف كارثة قادمة ؛فلم تعد بلادنا هي القبلة الوحيدة التي يقصدها الإرهاب الذي قضينا عليه وما زلنا بفضل مساعدتكم ووقوفكم معنا في خندق المواجهة، ولكنّ نُذُر إرهاب قادم أخذت تلوح في الفضاء الخارجيّ من الكوكب الأحمر تحديداً؛ فقد رصدت فرقنا الخاصّة بالبّحث والتحرّي عن أسلحة الدّمار الشّامل في الكون عن اكتشاف تلك الأسلحة، ومَنْ يدري ربما استطاع إرهابيو الأرض أن يصلوها، ولعلّ هذا هو التفسير الوحيد لظاهرة اختفاء أسلحة الدّمار الشّامل من إحدى الدول التي هاجمناها مؤخراً، ولم نعثر فيها على قطعة سلاح واحدة، واسمحوا لي أيها السادة أن أقدّم لكم الآن بعض الصّور والوثائق الخاصّة التي حصلنا عليها 

( وزير الخارجية يشير إلى السّبورة ) 

الرّئيس : ( معلّقاً على الصّور ) إنها صور خاصّة التقطها المسبار" استعمارت " لبعض الصّخور الإرهابيّة، والتي تؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك أنها أسلحة دمار شامل، وإنني أعلن باسمكم جميعا،ً وباسم العدالة المطلقة الحرب على هذا الكوكب الإرهابيّ الأحمر ( يرفع صوته عالياً ) وأناشدكم يا دول العالم ، ويا جميع الدّول الصّديقة أن تحالفونا وتساندونا في حربنا العادلة ضد الإرهاب للدّفاع عن كوكبنا؛ فنحن لا نمارس هواية رياضيّة، ولا نقوم بعربدة أمنيّة، ولكننا سنخوض حرباً حقيقيّة، ونحتاج إلى ميزانيّة وإلى نفقات باهظة، ولتعلموا يا دول العالم "أن الذي ليس معنا فهو ضدّنا" .. وشكراً لكم . 

( تصفـيقٌ حـادّ ، تطـفأ الإنـارة ) 

( 2 ) 
( مكتب الرئيس والجميع حول طاولة الاجتماعات )

وزير الخارجيّة: لقد كان خطاباً تاريخياً بحق يا سيّدي .
وزير آخر : ونقلته جميع القنوات والمحطّات الفضائيّة والأرضيّة في العالم . 
الرّئيس : لابد أن تنقله؛ لقد كان الرّئيس يتحدّث إلى الأمّة . 
وزير الخارجيّة: ولكن أخشى أننا أثرْنا بعض أصدقائنا . 
الرّئيس ( مغضباً ) : لا تخش هؤلاء؛ إنهم قفّازات يد .. نلبس هذا ونخلع ذاك . 
وزير آخر : بالمناسبة لقد أرسلت شركات السّلاح دعماً إضافيًا، وتعهّدت بدعمنا في الانتخابات القادمة . 
الرّئيس : لابدّ أن تفعل ... هذه الحرب لا تكسبها سوى هذه الشركات الكريهة . 
وزير الخارجيّة: إنها تجارة الموت، وهم تجّار الموت . 
الرّئيس : ونحن سماسرة الموت .. ها .. ها 

( يضـحـك الجمـيـع )

وزير آخر : سيّدي .. بعض الدّول الصّديقة أرسلت دعماً مالياً وبعضها على قائمة الانتظار .
الرّئيس : جميل .. جميل .. اجعلوا لي خطًّا مباشرًا مع هؤلاء الرّؤساء حتى أشكرهم .. هل تأخّر أحد ٌ عن الدّعم والمساعدة ؟ 
وزير الخارجيّة: أبداً .. أبداً .. كلها ساندت ووافقت حتى صحفها وإعلامها كتبت تبارك تلك الحرب .

( يدخل المساعد على عجل ويظهر قلقاً ) 

المساعد : سيّدي .. أ .. أ .. المعذرة . 
الرّئيس : ماذا هناك يا مساعدي ؟ 
المساعد : لديّ أخبار ليست سارة ... يا سيّدي . 
الرّئيس : ماذا هناك ؟ ما الذي حدث ؟! 
المساعد : رئيس فريق التّحقيق عن أسلحة الدّمار الشّامل يعتذر .
الرّئيس : يا للكارثة .. يعتذر !! 
المساعد : التقرير الذي وصلك بشأن الكوكب الأحمر كان مغلوطاً . 
الرّئيس : والصّور والوثائق التي عرضناها للعالم ؟
المساعد : كانت مستعملة جداً .
الرئيس : ماذا تقول بحق السّماء ؟ 
المساعد : إنها الحقيقة .. إنهم لم يحصلوا على شيء، ولا أمل في ذلك . 
وزير الخارجيّة: ضاعت الحرب إذن .
وزير آخر: وشركات السّلاح ستتوقف عن دعمنا . 
وزير الخارجيّة: وسيغضب أصدقاؤنا . 
الرئيس : ( في غضب ظاهر ) قلت لك: أنا لا أهتمّ لهؤلاء الأصدقاء .. إنّهم قُفازات .. مجرد قُفازات .. أتفهم ؟



وزير الخارجيّة: نعم .. نعم .. يا سيّدي . 
الرّئيس : أنا لا يعنيني سوى رأي الشّعب .. سوى صناديق الاقتراع .. أتفهم ؟
وزير الخارجيّة: نعم .. نعم .
الرّئيس : يجب أن تستمرّ هذه الحرب .. يجب أن يعيش الشّعب أجواء هذه الحرب .. يجب أن يعيش العالم الحرب .. حتى نضمن شركات السّلاح .. حتى نكسب أصوات الناس .. فلتحيَ الحرب .. فلتحيَ الحرب ..

( يتردّد صدى الحرب في المسرح مع لقطات لمعارك وحروب عالميّة – يُظلم المسرح تدريجياً ) 
- تُطفأ الإنارة -
سِتــــــــــــارة

مقاتل من الفلوجة





محمد علي البدوي
 25/10/1425
08/12/2004 


المنظر : جدار متهالك ينتصب وسط المسرح وقد كُتبت عليه عبارات تشيد بالمقاومة وتتوعّد المحتل، تختلط أصوات المدافع بدوي الطائرات وانفجارات القنابل، وتكبيرات المساجد، وتلاوات القرآن، ودعوات المقاومة والجهاد التي تنبعث من كل أنحاء المدينة ..
المشهد :أحد المقاتلين وهو يهم بدخول المدينة بينما يعترضه أحدهم وهو خارج من المدينة:
الرجل :إلى أين يا رجل ؟ 
المقاتل : إلى الأمام.
الرجل :إنه الموت الزؤام.
المقاتل : فليكن .. سأذهب إلى الموت إذن.
الرجل : وهل تسعى إليه بقدميك؟ 
المقاتل : نعم .. إنني أشمّ ريح الجنة تنبعث من داخل المدينة. 
الرجل : عد من حيث أتيت .. لسنا في قوتهم.
المقاتل : الله أقوى من الجميع.
الرجل : لقد أحكموا قبضتهم على كل شيء ؛ الأرض والسماء والهواء. 
المقاتل : ليسوا في قوة الله. 
الرجل : انجُ بجلدك يا صديقي .. المدينة تحترق. 
المقاتل : أأتولى يوم الزحف؟! مستحيل لا يمكن. 
الرجل : لم يبق في المدينة سوى الأشباح تقاتل. 
المقاتل : ليسوا أشباحاً .. ولكنها أرواح المقاتلين تصعد إلى الجنة.
الرجل : لا فائدة .. لا فائدة من المواجهة. 
المقاتل : بل كل الفائدة. إنها إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. 
الرجل : إنك تتمتم بكلام لا أفهمه. 
المقاتل : ولن تفهمه أبداً .. لأن الإيمان لم يتمكن من قلبك بعد.
الرجل : بل أنا مؤمن. 
المقاتل : المؤمن لا يفر يوم الزحف. 
الرجل : وماذا أفعل في المدينة وقد قتلوا أفراد أسرتي في قصفهم العنيف. 
المقاتل : ويحك!! مت على ما ماتوا عليه. 
الرجل : لكنني رجل أعشق الحياة.
المقاتل : حياة الذل والهوان؟!
الرجل : أي حياة؟!
المقاتل : حياة اليهودي إذن. 
الرجل : لقد خذلنا الجميع؛ يشاهدون مأساتنا ويتواطؤون مع عدونا. 
المقاتل : لسنا في حاجة إليهم .. نحن في حاجة إلى الله فقط. 
الرجل : وماذا نفعل بمفردنا؟
المقاتل : نقاتل حتى الموت. 
الرجل : الموت مرة أخرى؟!
المقاتل : الكثير من الناس تموت تحت العجلات وفي المدرجات فلنمت من أجل الله . 
الرجل : لا .. لا .. لا أريد الموت. 
المقاتل : هذا شأنك. 
( يسمع صوت طائرة تقترب منهما، يأخذ المقاتل موقعه ويبدأ في توجيه سلاحه نحوها )

الرجل : لا .. أرجوك لا تشعرها بوجودنا .. ستقصفنا .. ستقتلنا .. سنموت. 
المقاتل : وسنذهب إلى الجنة إن شاء الله. 
الرجل : لا أريد الموت .. قلت لك لا أريد الموت. 
المقاتل : مرحباً بالموت في سبيل الله. 
الرجل : لا .. أرجوك دعني أهرب من هنا. 
المقاتل : بسم الله .. الله أكبر 

( ظلام وصوت صواريخ تنطلق يعم الظلام والصمت المكان )
ســـــــــتــــــــــارة

مسرحية السقوط ..





محمد علي البدوي
 17/2/1424
19/04/2003 



مسرحية من فصل واحد 


الزمان : 656هـ
المكان :دار الخلافة في بغداد.
المنظر :قصر الخليفة المستعصم حيث تظهر سدة الخليفة وخلفها يقف حارسان صارمان ، تتوزع النمارق المصفوفة والستائر المذهبة في مدخل الإيوان.
المشهد:ابن العلقمي – الوزير- في ردائه الأسود وعمامته السوداء يذرع الإيوان وكأنه يفكر في شيء ما ، فجأة يدخل عليه أحدهم مسرعاً ، تبدو عليه آثار الفزع.


الرجل: ابن العلقمي.. يا بن العلقمي .. أنجدنا .. أغثنا.
العلقمي : ماذا وراءك يا رجل ؟
الرجل: لقد وقعت الفتنة بين أهل السنة والشيعة .. ياسيدي.
العلقمي: ( يهرش ذقنه ) : ماذا !! هل وقعت أخيراً.
الرجل : وقعت ! لقد تجالدوا حتى بالسيوف .
العلقمي: وعلى من كانت الدائرة ؟
الرجل : علينا يا سيدي.
العلقمي: (ممسكاً بالرجل ) : ويحك ! ماذا تقول ؟
الرجل :إنها الحقيقة .. لقد قُتل خلق كثير من الشيعة ، ونُهبوا . 
العلقمي: قتلوا !! ونهبوا !!
الرجل : (متلعثماً) : و..و..
العلقمي : وماذا بعد ؟ أنطق .. ويلك.
الرجل : وبعضهم من أقاربك .. وخاصتك .. يا سيدي.
العلقمي: ( مغضباً) : الويل لهم .. الويل.
الرجل : والرأي يا سيدي .. ماذا سنفعل الآن ؟
العلقمي : حسناً .. عليكم بالصبر .. وأنا أعفيكم أهل السنة .. هيا بنا ( يخرجان).



( يدخل الخليفة ويعتلي عرشه )..

المستعصم ( محدثاً نفسه ) : أين ذهب هذا الوزير .. أين ؟!
(يدخل ابن العلقمي ) ..
العلقمي: السلام على مولانا الخليفة .. ورحمة الله وبركاته.
المسعتصم : وعليكم السلام . أين كنت يا رجل ؟
العلقمي: كنت أتفقد أحوال رعيتكم يا مولاي.
المستعصم : هه .. وكيف أحوال رعايانا ؟
العلقمي: على ما تحب .. يأكلون ويشربون .. ولكم يشكرون يا مولاي .
المستعصم:إذن دعنا نأكل ونشرب ونطرب نحن أيضاً .. عليّ بالقيان والجواري الحسان .
العلقمي: حضّيتكم (عرفة) .. في طريقها إليكم الآن يا مولاي.
المستعصم: آه يا عرفة .. يا له من صوت ناعم وقدُّ سالم...
العلقمي : ها ..ها.. ( يضحك ) .. و..و..لكن هناك أمر يحول بينك وبينها يا مولاي.
المستعصم: بيني وبينها !! ماذا تقصد؟!
العلقمي: أقصد قلة المال . قلة المال تمنعنا من جلب المزيد من الجواري .. يا مولاي . 
المستعصم : ويلك .. وبيت المال أين ذهب ؟!!
العلقمي : لقد فني المال .. أو كاد .. والسبب جيشكم يا مولاي .
المستعصم: جيشنا !!
العلقمي : أقصد أعداد العساكر كبيرة وكثيرة جداً .
المستعصم : كبيرة !! .
العلقمي: فلو قللنا من هذا العدد لاستطعنا أن نوفر المال .. وأن نستقدم الجواري لمولاي .
المستعصم : أووه.. إنك تزعجني ، بهذا الكلام .. ( يستعد للخروج ) .. افعل ما تراه مناسباً .. وأرسل إليّ الجواري في مخدعي.. ( يخرج ) .
العلقمي : أمر مولاي .. ها .. ها .. أمر مولاي .. ( يصفق بيديه فيظهر أحد أعوانه من الخلف ) .
العلقمي: اذهب بهذه الرسالة إلى هولاكو .. وأخبره أن الطريق سالكة ( يناوله الرسالة).
الرجل : أمرك سيدي .
العلقمي ( في خبث ) ها .. ها.. لقد دنت ساعتكم .. وحانت نهايتكم يا بين العباس ( يخرج).

( ضوضاء ، أصوات مختلطة ، صراخ ، عويل ، وقع خيول قادمة .. يدخل الخليفة فزعاً )
المستعصم : ابن العلقمي .. أين أنت يا ابن العلقمي ؟ . ( للحارس) عليّ به فوراً.
(يدخل الحارس مسرعاً)
العلقمي: نعم .. نعم يا مولاي .. ماذا حدث ؟
المستعصم : التتار .. التتار قادمون .. إنهم يزحفون على المدينة كالمرض الأسود.
العلقمي: وهل وصلوا ؟!
المستعصم: إنهم يرشقوننا بالنبال .. لقد قتلوا مولاتي ( عرفة ) بين يديّ .. قتلوها..
العلقمي: ( للحارس ) : شددوا الحراسة حول القصر وزيدوا في الاحتراز.
المستعصم : ألم تذهب إليهم .. ألم تتفاوض معهم ؟!
العلقمي: بلى لقد فعلت.. يا مولاي .
المستعصم : وبماذا أجابوك ؟ ! أجب .. انطق .
العلقمي: لقد رضوا بالمصالحة.
المستعصم: نصالحهم . إنهم كالأفعى السامة .. كيف نضع أيدينا في جحر الأفعى .. كيف ؟!
العلقمي : مولاي .. ليس لدينا خيار آخر .. نصالحهم الآن ثم نتقوى ونعيد الكرة عليهم . . والحرب سجال .. يوم لك .. ويوم عليك..
المستعصم : وما هي شروطهم ؟!
العلقمي: نصف خراج بغداد .. و..
المستعصم: وماذا هناك بعد..
العلقمي: وأن تخرج إليهم بحاشيتك ورجال دولتك.
المستعصم : حاشيتي ورجال دولتي !!
العلقمي: والعلماء والقضاة .. نعم..
المستعصم: ولماذا كل هؤلاء؟
العلقمي: ليحضروا عقد الصلح يا مولاي .. الرجل يريد الضمان...
المستعصم: القضاة .. والفقهاء .. إن في الأمر لمكر.. لا .. لن أخرج إليهم.
العلقمي: مولاي .. إن لم تخرج إليهم ..جاءوا إليك .. (يشير إلى رقبته).
المستعصم: (مذعوراً) : حـ ..حـ.. حسناً سأخرج .. سأخرج .. اذهب واجمع رجال الدولة .. وسآتي حالاً.
العلقمي: حالاً .. يا مولاي.



(المستعصم وقد بدأ مذهولاً يحدث نفسه)

المستعصم :آه .. أخرج إليهم .. إن نفسي تحدثني أن شيئاً سيقع .. رباه .. رباه...
صـــــــوت:

نجماً يلوح لنــــا  أم  لفحة  الحمــم؟
كان السلام به أسمى من  العــلم؟
يد الرشيد بعــــدل الله  في  الأمـم؟
تخاذل العرب عن أفعال معتصم؟


المستعصم : (باحثاً عن مصدر الصوت) : مَنْ .. مَنْ هناك ؟ .. أين أنت ؟ .. أين أنت ؟


(يظهر شيخ أبيض كسا البياض شعره وثيابه ، وعلى ثوبه تبدو بقع سوداء)

التاريخ : أنا التاريخ .. أنا تاريخكم المجيد .. أنا من سيحفظ لكم هذه المأساة وسيرويها للأجيال من بعدكم ..
المستعصم: مأساة !! وأي مأساة؟
التاريخ : انظر إلى هذه البقع السوداء .. إنها مآسي الإسلام والمسلمين .. وهنا .. ستكون مأساتكم ..( يشير إلى ثوبه).
المستعصم : مأساتنا ؟ ..
التاريخ مأساة بغداد القادمة .. التي سيبتلعها الطوفان .. الطوفان القادم أيها الخليفة..
المستعصم : (صارخاً) ، لا .. بغداد .. دار السلام .. حاضرة الرشيد .. أرض الجمال .. ودار الجلال .. سليلة المجد .. وقرة العين .. أغنية الزمان .. وحديث الركبان .. سيبتلعها الطوفان .. لا أكاد أصدق .. لا .. ( يجثو على ركبتيه).
التاريخ : ابك مثل النساء ملكاً مضاعاً .. لم تحافظ عليه مثل الرجال .
المستعصم: وماذا أصنع أيها التاريخ وليس لدي من خيار .. لقد خذلني العرب والمسلمون .. سمحوا للعدو أن يستخدم أرضهم لضربي .. حتى صاحب الموصل فعل ذلك خوفاً على نفسه..



(يدخل ابن العلقمي مسرعاً )

العلقمي: مولاي .. الموكب في انتظارك ..يا مولاي..
المستعصم: حسناً .. هيا بنا .. (يخرجان)
( ترتفع أصوات الصراخ والاستغاثات ، وصليل السيوف والقهقهات الشيطانية)
التاريخ ( قبالة الجمهور ) : لقد بدأت المأساة .. سجل يا تاريخ واشهد يا زمن .. سجل مأساة إخواننا في بغداد .. وأشهد على صمتنا وخذلاننا لهم ..سجل يا تاريخ .. واشهد يا زمن .. ( يخرج ) 
صـــــــوت:

رجولة القوم في  ميـدان  منتقــــم
لا يقدرون على الأرماح والحمم
مذبوحة .. ربـما مــــاتت بلا  ألم

(ستـــــــــــارة)

حكاية السيدة نون - مسرحية ذات فصل واحد




- إليهن في غيهن وضلالهن لعل وعسى...

المنظر: "صالة الاجتماعات في مقر حركة تحرير الفتاة" 
المشهد: "السيدة نون تذرع المكان غاضبة بينما يدخل إليها الشاب وسيم حاملاً كوباً من الشاي"..
وسيم: الشاي يا سيدتي. 
نوال: هذا عاشر كأس أشربه.. ما هذا يا وسيم؟
وسيم: هذا شاي يا سيدتي. 



نوال: أبله.. أعلم ذلك.. ولكن ما هذا الذي يحدث في الحركة؟!
وسيم: كل شيء على ما يرام؛ الأشياء مرتبة وصالة الاجتماعات أنيقة.. و.. 
نوال: (تقاطعه) أقصد العضوات.. الفاشلات.. لقد تأخرن عن حضور الاجتماع. 
وسيم: اعذريهن يا سيدتي.. فلقد سهرن البارحة في الحفل الخيري.. حتى الثمالة.
نوال: الساعة الآن الثانية بعد الظهر.. و"ريد" على وشك الوصول. 
وسيم: "ريد"!! لا تقلقي عندنا منه الكثير.. لقد اشتريت عبوات إضافية. 
نوال : "ريد" يا جاهل هي رئيسة الاتحاد النسائي العالمي.. لقد هاتفتني البارحة تبارك إنشاء الحركة.. ووعدت بتقديم الدعم اللازم .
وسيم: آه.. تذكرت.. جمعية المرأة الفرنسية أرسلت هي الأخرى تبارك وتدعوك إلى مؤتمر الاتحاد هذا العام.. ومجلة المرأة الجديدة تطلب تحديد موعد المقابلة. 
نوال: (في زهو) أرأيت يا وسيم؟ العالم كله يقف معنا.. وسننجح.. أليس كذلك؟
وسيم: يا عزيزتي، ما لنا وللعالم؟! تعالي نعلن زواجنا للناس.. ونسافر خارج البلاد.. لقد مللت.
نوال: اصمت.. هل تريدني أن أخون مبادئي التي أجاهد من أجلها. 
وسيم : أية مبادئ.. وهل نسيت الجنين الذي يتحرك في أحشائك. 
نوال: (في هزيمة) آه.. لا تذكرني هذه الخطيئة.. لا أعلم كيف اقترفتها؟
وسيم: ولكن أنا أعلم لأنك....
نوال: وسيم.. اصمت أرجوك. 
وسيم: المال في حوزتنا وصندوق الحركة في أيدينا.. ما الذي ننتظره؟
نوال: قلت لك اصمت.. اصمت. 
وسيم: أنا زوجك.. وطفلي في أحشائك. 
نوال: ولكنك خادمي.. والعصمة بيدي.
وسيم: وقلبك في يدي.. 
نوال: أرجوك.. كفى.. (تنظر في ساعتها) سأذهب لاستقبال السيدة "ريد" وداعاً (تخرج).
وسيم: اذهبي معها إلى جهنم!
(يشتغل وسيم بترتيب صالة الاجتماعات فتدخل إليه (هدى) إحدى عضوات الحركة) 
هدى: وسيم.. أنت هنا؟!
وسيم: نعم.. هنا.
هدى: ولوحدك يا عزيزي.
وسيم: لا.. الشيطان ثالثنا.
هدى: ولم هذا الظن السيئ يا عزيزي؟!
وسيم: ولما هذا السؤال الأسوأ .
هدى: أبداً.. ولكنها فرصة حتى أعبر لك عن صدق مشاعري نحوك.
وسيم: صحيح. 
هدى: وأقسم على ذلك.. أنت في عقلي دائماً يا وسيم. 
وسيم: شكراً.. يا عانستي. 
هدى: أنت هكذا دائماً.. توبخني بالعنوسة. 
وسيم: إنها الحقيقة.. امرأة في الأربعين.. ولم تتزوج بعد.. ماذا أقول عنها؟
هدى: كل عضوات الحركة عانسات.. حتى السيدة نوال. 
وسيم: عهدك قديم جداً بالسيدة نوال.. إذن .. 
هدى: ماذا تقول؟!
وسيم: ادفعي.. حتى.. تسمعي.. 
هدى: أنت هكذا دائماً تعبد المادة (تخرج المال من حقيبتها وتناوله) خذ..
(وسيم يأخذ المال ويسر لها في أذنها بالخبر)
هدى: (واجمة) ماذا تقول؟ الويل لها. 
وسيم: امرأة وتبحث عن نفسها. 
هدى: على حسابنا. 
وسيم: يا عزيزتي.. الحياة فرصة.. والفرصة قد لا تعود. 
هدى: الخائنة.. سترى.. سترى..(تخرج مغضبة). 
وسيم: يجب أن أغادر الآن.. سينفجر الوضع حتماً (يخرج). 
(تدخل السيدة نوال وبصحبتها السيدة ريد وبعض العضوات).. 
نوال: تفضلن.. تفضلن.. سنبدأ الاجتماع الآن. 
(يتحلقن حول طاولة الاجتماعات) 
نوال: باسم حركة تحرير المرأة في بلادنا.. وباسم كل النساء المتحررات.. نرحب بالسيدة الكبيرة والمناضلة من أجل المرأة.. السيدة ريد. 
(تصفيق حاد يملأ القاعة، تدخل عندها العضوة "حنان" وهي في كامل حجابها الإسلامي).. 
حنان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 
ريد: يا إلهي.. ما هذا؟!
نوال: من.. من.. أنت؟!
حنان: (تكشف عن وجهها) أنا أختكم حنان.. العضوة السابقة معكم.. جئت من أجلكم.
نوال: ما هذا التخلف يا حنان؟!
حنان: أخواتي.. أنتن في الطريق الخطأ.. عُدن إلى الله قبل فوات الأوان.
نوال: توقفي.. أيتها الرجعية. 
هدى: (تدخل فجأة) بل توقفي أنت.. أيتها الخائنة.
الجميع: من.. هدى؟!
نوال: هذه مؤامرة.. مؤامرة. 
هدى: وما قمتِ به أنت؟!.. تتزوجين وسيماً سراً.. وتدعين أنك لن تتزوجي أبداً؛ لأنك تزوجتِ قضية تحرير المرأة.. وستعيشين لها؟! 
إحداهن: لكن وسيم.. زوجي أنا. 
إحداهن: بل زوجي أنا. 
إحداهن: حتى أنا.. لقد تزوجني سراً.. 
ريد: (تنهض) المعذرة.. يبدو أنكن ما زلتن صغيرات على قضية المرأة.. وداعاً (تخرج)..
نوال: سيدة ريد.. توقفي.. توقفي.. أرجوك.
حنان: دعوها تذهب، إنها داعية إلى باب جهنم.. دعوها. 
(تدخل إحدى العضوات مسرعة).. 
العضوة: سيدة نوال.. سيدة نوال.. لقد هرب الشاب وسيم بعد أن استولى على صندوق الحركة وترك لك هذه الرسالة (تناولها الرسالة). 
نوال: (تقرأ الرسالة واجمة) لا.. لا.. لقد انتهى كل شيء.. كل شيء.. 
حنان: لا.. لم ينته كل شيء.. ما زالت الفرصة قائمة.. اغسلن الخطيئة بدموع التوبة.. هيا.. هيا معي إلى الله.. هيا.. 
هدى: ياه.. كم كنت غافلة.. كم كنت واهمة.
حنان: هيا يا أخواتي.. ما أحلى العودة إلى الله.. 
إحداهن: أنا معك يا حنان.
إحداهن: وأنا كذلك.. 
(تخرج حنان وتتبعها بعض العضوات بينما تقف نوال ذاهلة عما حولها وهي تهذي كالمجنونة)..
نوال: (صارخة) لا.. لا يمكن أن يحدث هذا.. إنه كابوس.. مجرد كابوس.. سيعود وسيم.. أليس كذلك؟.. إن طفله في أحشائي.. لا.. أنا نوال زعيمة حركة التحرير.. سيدعمني العالم.. وسأنتصر.. سأنتصر.. ها.. ها.. ها.. 
(تطفأ الإنارة) 
صوت: وعاشت السيدة نوال بقيت حياتها في ظلمات المعاصي تحاول جاهدة بعث هذه الحركة، تجوب أرجاء العالم وترتمي في أحضان المؤسسات تطلب الدعم والعون 




محمد علي البدوي

في بيتنا موهوب


( 1 ) 
المنظر : في منزل أبو سالم يبدو البهو الرئيس وهو يفضي إلى مدخل المنزل على يمين المسرح – المدخل مرتباً وأنيقاً وهادئاً إلا من طرق شديد يأتي من الداخل .
المشهد : يسمع طرق على جرس المنزل متزامناً مع صوت إزميل المنبعث من الداخل ، يظهر أبو سالم متوجهاً إلى الباب : 
أبو سالم : لا حول ولا قوة إلا بالله هذا جرس الباب أم أفعال هذا المعتوه ؟
( الطرق يزداد حدة )
أبو سالم : سالم .. توقف عن هذا قبل أن أحطم رأسك ( يفتح الباب ) . 
حمد : السلام عليكم ورحمة الله . 
أبو سالم : وعليكم السلام .. أهلاً بصديقي حمد تفضل .
حمد : ما هذا ؟ ساعة وأنا أنتظر عند الباب .
أبو سالم : المعذرة يا عزيزي .. لم أسمعك جيداً من فعل هذا المعتوه .
حمد : وهل في بيتكم معتوه ؟
أبو سالم : معتوه ورسمي !!
حمد : أعوذ بالله ورسمي أيضاً . 
أبو سالم : ويقول أنه موهوب .
حمد : وموهوب !! هذه معادلة .. ولكن لا بأس هكذا هم الموهوبون دائماً .
أبو سالم : حتى أنت يا صديقي .
حمد : ما هي القصة يا أبا سالم ؟
أبو سالم : ولدي سالم منذ أيام وهو لا يبرح غرفته يعد العدة لابتكاره الجديد . 
حمد : ما شاء الله جميل .. جميل . 
أبو سالم : وهو على هذا الحال منذ عودته من المدرسة .. بل إنه يصرف كل مصروفه المدرسي على الأدوات الخاصة بهذا المشروع . 
حمد : لا .. لا يا صديقي كان الأولى بك تشجيعه .
أبو سالم : ماذا .. أشجعه على ضلاله هزلت .
حمد : طبعاً .. وتهيأ له الجو الأسري المناسب حتى تحقق له الحد الأدني من الدافعية نحو إنجاز ما يريد . 
أبو سالم : ما هذا الكلام ؟ 
حمد : أنسيت أنني مدير مركز رعاية الموهوبين .
أبو سالم : ليت موهبته كانت في شيء نافع مفيد .. كالحاسب مثلاً بدل النجارة والحدادة لقد حول
البيت إلى ورشة كبيرة .
حمد : إياك ثم إياك والفصل بين المواهب .. فالموهوب يضل موهوباً حتى في النجارة والحدادة .
أبو سالم : لا .. يا فريد عصره ووحيد دهره .
حمد : طبعاً ثم إن الوطن يحتاج إلى كل يد مباركة لتعليه .
أبو سالم : دعك من سالم وألعاب سالم الآن . 
حمد : بل أين سالم ؟
أبو سالم : هل جئت من أجلي أم من أجل سالم ؟
حمد : لقد حولت النية إلى سالم وسأصحبه معي إلى مركز رعاية الموهوبين في المدينة ، فنحن مقبلون على جائزة الإبداع العلمي التي تنظمها مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين .
أبو سالم : مركز رعاية الموهوبين !!
حمد : طبعاً .. إنها مراكز متخصصة أقامتها الدولة لخدمة أمثال هؤلاء والعناية بهم . 
أبو سالم : أخيراً سنرتاح من إزعاج سالم . 
حمد : لكن هذا لا يلغي دور المنزل بل يجب أن يأخذ كلٌ منا دوره وبشكل كامل في رعاية الموهوب .
أبو سالم : نعم .. نعم .
حمد : حسناً .. أين سالم ؟ 
أبو سالم : في ورشته .. أ .. أ .. أقصد في غرفته من هنا .
( يدخلان إليه وسط طرق شديد ينبعث من الداخل )
( 2 )
المشهد : في منزل أبي سالم تظهر العائلة وهي في غرفة الاستقبال تتحلق حول التلفاز .
أحدهم : أبي .. أبي .. انظر إنه أخي سالم . 
أبو سالم : سالم !!
آخر : إنه يتسلم جائزة الإبداع العلمي من يد الأمير .. ما كل هذا الشرف يابن أبي سالم . 
آخر : ياه .. لقد أصبح أخي مشهوراً جداً يا أبي . 
أحدهم : وغنياً جداً . 
أبو سالم : الحمد لله .. الحمد لله ( يبكي ) .
آخر : ما هذا هل تبكي يا أبي ؟ 
أبو سالم : إنها دموع الفرحة يا أبنائي .. لقد ظلمته كثيراً .. وسخرت منه ومن موهبته .. وها هو اليوم يرفع رأسي عالياً .
( طرق شديد على الباب ينهض الجميع )
الجميع : سالم .. سالم .. 
( يدخل سالم مع عمه حمد وهو يحمل جائزته وسط تصفيق الجميع وتهنئتهم )
أحدهم : مبارك يا سالم .. لقد رفعت رأس العائلة عالياً .
آخر : ورأس أبي بالتحديد . 
حمد : أخشى أن رأس والدكم قد كبر من إزعاج سالم .
أبو سالم : لا إزعاج بعد اليوم .. ليفعل ما يحلو له .. وسنساعده ونشجعه على موهبته .
حمد : لا بد من تشجيعهم فهم الاستثمار الأمثل للمستقبل . 
الجميع : سالم .. سالم
حمد : أحسنت يا صديقي . 
أبو سالم : الفضل لله ثم لك أنت يا صديقي . 
أبو سالم : لو سمحتم .. الموهوب سالم . 
الجميع : ها .. ها .. ها ..
ســـــــــــــــــــــــت ــــــــــــــار

" طلبت هذه المسرحية مجلة " موهبة " الصادرة عن مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين ونشرت في المجلة "


محمد علي البدوي " رحمه الله "

الزعيم






- يفتح الستار - 
المنظر : غرفة تتوسط المسرح ، وقد كتب عليها " مقصف " يرنُّ جرس الفسحة . 
المشهد : يندفع الطلاب نحو المقصف ويتشاجر اثنان منهما – حاتم وعطلان – قبالة الجمهور .
حاتم : أنا الأول . 
عطلان : بل أنا الأول .
حاتم : أن الأول على المدرسة .. والطالب المتفوق فيها ، ولابد أن أُقدم . 
عطلان : ها .. ها .. ( يضحك ) متفوق .. عملة ممنوعة من الصرف .. في هذا الزمان يا ..
حاتم : أنا سيد هذه المدرسة .. والطالب الأول فيها .. ولابد أن أكون الأول في كل شيء . 
عطلان : أعرف نفسك .. فأنت تتحدث مع فتوة المدرسة . 
حاتم : هل سمعتم يا أصدقاء هذا الطالب المتخلف دراسياً ماذا يقول ؟ 
( يجتمع أصدقاء حاتم حولهما ) 
أحدهم : هيا نؤدبه يا حاتم .. 
حاتم : فعلاً .. الأدب هو كل ما يحتاجه . 
أحدهم : خصوصاً أنع أكثر ما يرسب في مادة الأدب .. ها .. ها .. ها .. ( يضحكون ) . 
عطلان : تتفوقون عليّ يا صراصير المدرسة !!
حاتم : وسنضربك ضرباً مبرحاً . 
عطلان : هذا .. هذا ظلم .. أنتم كثير .. وأنا واحد .. ليخرج واحد منكم . 
حاتم : أنا وحدي سأضربك . 
عطلان : تعال .. تعال يا متفوق .. سأجعلك علكة في فمي . 
( عطلان يحاول أن يبدأ القتال .. ولكنه يتوقف )
عطلان : لا .. لا .. هذا ظلم أنت تلعب على ملعبك وبين جمهورك . 
حاتم : وماذا تريد ؟!
عطلان : انتظر حتى يأتي زعيمنا ( سكر ) .. 
حاتم : وأين ذهب السكر هذا ؟ 
أحدهم : لابد وأنه ذاب في الشاي .. ها .. ها .. ( يضحك أصدقاء حاتم ) .
عطلان : لقد ذهب لكي يتناول طعامه في المطعم المجاور .. مع بقية العصابة .. ولابد أنه في الطريق إلينا .. وسوف ترى ماذا سيفعل بكم الزعيم ؟!
حاتم : لا .. يا شيخ .. أرجوك اشفع لنا عند زعيمكم حتى لا يضربنا . 
عطلان : تستهزئ .. حسناً .. سوف ترى . 
حاتم : هيا اذهب بعيداً . 
( يهرب عطلان إلى الجهة الأخرى من المسرح .. وعندها يسمع صوت جلبة خارج المسرح .. يظهر الزعيم محمولاً على كتف أحد أعوانه .. وسط صيحات العصابة وتشجيعهم ) 
العصابة : بالروح بالدم نفديك يا زعيم .. بالروح بالدم نفديك يا زعيم . 
عطلان ( يسرع إليه ) : النجدة .. النجدة .. يا زعيم لقد ضربني حاتم وأصدقاؤه . 
الزعيم : ماذا تقول ؟!
عطلان : يقولون إنهم سادة المدرسة وأصحاب الزعامة فيها .. 
الزعيم : آه .. أنا غضبان .. غضبان جداً .. ز .. ع .. ي .. م 
العصابة : زعيم .. زعيم .. زعيم .
( تبدأ مجموعة العصابة في الغناء والرقص حول الزعيم ) 
العصابة : الله الله يا الزعيم واحنا في حبك نهيم 
ويا الله يا الله يا كريم تحفظه يا عظيم 
الزعيم : احنا أصحاب السيادة احنا أصحاب القرار 
احنا ما نحب الشهادة والشهادة هذي عار
واسمع .. اسمع يا غبي أنت في حكم القوي ( يشير إلى حاتم وأصدقائه ) . 
( يبدأ أصدقاء حاتم في الغناء والرقص ) 
الجميع : اسمعونا يا جماعة اسمعوا والسمع طاعة 
واسمعوا هذي النصيحة واسمعوا ما هي فضيحة
واسمعوا هذي الحقيقة واسمعوها لو دقيقة 
واعلموا والعلم نور والفرح فيه والسرور
حاتم : احنا أصحاب السيادة .. احنا أصحاب القراسر واسمع .. واسمع يا غبي .. الله .. الله هو القوي .. ( يشير إلى الزعيم والعصابة ) . 
( يبدأ الحوار الشعري بين الزعيم وحاتم ) 
حاتم : حنا .. حنا أذكياء وعندنا علم وفهم 
الزعيم : لكن حنا أقوياء وعندنا قوة جسم 
حاتم : قوة لكن أغبياء وكل جاهل ينهزم
الزعيم : آه .. لكن القوة تجعلك محترماً حتى .. 
حاتم ( مقاطعاً ) : حتى ماذا يا زعيم ؟!
الزعيم : حتى .. حتى لو كنت غبياً . 
حاتم : العلم هو الذي يحكم العالم . 
الزعيم : بل القوة هي التي تحكم العالم يا عزيزي .. أما تسمع الأخبار . لماذا يقتل المسلمون في كل مكان ؟ .. أجب .. لماذا ؟ 
حاتم : لماذا ؟ 
الزعيم : لأنهم يملكون القوة التي يدافعون بها عن أنفسهم .. لا يملكون القوة التي يفرضون بها احترامهم على العالم .. ونحن في هذه المدرسة نملك القوة وسنفرض احترامنا عليكم بالقوة . 
حاتم : ونحن سنفرض احترامنا عليكم بالعلم والتفوق والشهادة . 
الزعيم : ها .. ها .. شهادة .. تفوق .. حتى نحن نملك الشهادة .. في ألعاب القوة والكاراتيه والجمباز .. ونملك ما لا تملكونه أنتم . 
حاتم : وماذا تملك هذه العقول الخالية من العلم والمعرفة ؟!
الزعيم : نملك الخبرة .. نحن أكثر منكم خبرة في هذه المدرسة .. أنا مثلاً .. راسب في الصف السادس ثلاث سنوات .. 
عطلان ( خلفه العصابة تردد ) : عاش الزعيم .. عاش .. وزعيمنا عظيم .. يا أوباش .. بالطول بالعرض .. زعيمنا يهز الأرض . 
حاتم : ما شاء الله يا لها من خبرة .. جسم البغال وأحلام العصافير . 
الزعيم : آه .. لقد ازداد غضبي عليك أيها الصرصور حاتم .. قوة الدفع الرباعي .. ( يشير إلى عطلان ) . 
عطلان : أمرك يا زعيم . 
الزعيم : هيا اطحن حاتم بسرعة .. 
عطلان : أمــــر .. ك .. و .. ولكن أنت أولاً يا زعيم .. أنت تؤدبه ونحن نشجعك .. نرفع من معنوياتك . 
الزعيم : جبان .. سنقاتهلم جميعاً .. استعدوا يا رفاق .. ( تستعد العصابة للمعركة ) . 
حاتم : استعدوا يا أصدقائي .. لا تخافوا إنهم رغوة صابون سرعان ما تنتهي . 
( حاتم وأصدقاؤه يأخذون وضع الاستعداد ) 
الزعيم : آه .. رغوة صابون .. استعدوا .. واحد .. اثنان .. ثلاثة . 
( يهجم الزعيم لوحده ويتخلى عنه أصدقاؤه ، بينما يهجم حاتم وأصدقاؤه على الزعيم ويوسعونه ضرباً .. وهو يستغيث ) 
الزعيم : آه .. أمي .. أريد أمي .. كفى .. كفى .. هيه .. هيه .. ( يبكي ) . 
( يضرب جرس الفسحة خارج المسرح .. ويدخل أحد الطلاب ) 
الطالب : المدير .. المدير .. قادم .. اهربوا بسرعة .. 
( يهرب الجميع ويدخل المدير إلى المسرح ) 
المدير : إلى الفصل .. هيا يا ولد .. لقد انتهت الفسحة .. هيا .. بسرعة إلى قاعات الدرس .. 
( تطفأ الإنارة وتغلق الستارة ) 


محمد علي البدوي " رحمه الله "

حكاية أبي منقاش - مسرحية ذات فصل واحد



بقلم: محمد علي البدوي

صوت: ياسلام .. يا سلام رجالنا الأشاوس يواصلون زحفهم تجاه مرمى الخصم.. يا سلام الكرة الآن مع أبطالنا.. هيا تقدموا.. اثبتوا أيها الرجال.. الله أكبر.. الله أكبر.. هدف.. هدف يا سلا.. لا.. لا..م.. لقد فعلناها.. لقد فعلها رجالنا.. لقد حققنا الكأس.. أحرزنا نصراً عظيماً للأمة.. (يبكي من شدة الفرح).. فزنا.. انتصرنا.. "أصوات هدير المدرجات.. وصخب الجمهور...
تفتح الستارة
المنظر: في خلفية المسرح تظهر خارطة بغداد وقد اختلطت بالدماء، صور مروعة لجثث متناثرة ومنازل ومساجد مهدمة.. دوي المدافع وأزير الطائرات وأصوات الرصاص تعلو في المسرح صوت طائرة تقترب..
المشهد: أبو منقاش وقد اختبأ على يمين المسرح يرصد الطائرة..
أبو منقاش: آه.. اقتربي.. اقتربي.. أيتها اللئيمة.. هيا.. هيا.. هه... الآن.
(يطلق رصاصة.. لكن سرعان ما يسقط عليه طائر كبير)
أبو منقاش (متأملاً الطائر): يا ويلي.. حدأة.. أريد طائرة.. فأصطاد حدأة.. حدأة يا أبا منقاش ؟!
(صوت الطائرة يقترب مرة أخرى)
أبو منقاش: هه.. الطائرة مرة أخرى.. حسناً فلنحاول.. هيا تعالي.. تعالي إلى جحيمي.. وناري.. هيا.. الآن.
(يطلق الرصاص فيصيب الطائرة.. تشاهد الطائرة وهي تسقط على الأرض)
أبو منقاش: هه.. لقد فعلتها.. فعلتها (يسجد لله شكراً)... الحمدلله.. لقد أسقطت الطائرة.. يا قوم لقد أحرزت نصراً عظيماً للأمة.. سجلت هدفاً حاسماً في مرمى الخصم.
(يتوافد الناس مهنئين ومباركين هذا النصر)
الجميع: هيه..هيه.. يا أبا منقاش أحسنت الصنيع.. يا أبا منقاش أفرحت الجميع.
صوت: 
يا أبا منقاش أحسنت فزد
فعلكم يا ابن العلا فعل الأسد
الأباتشي أنت من أسقطها 
برصاص مثل حبات البرد
(يُحمل أبو منقاش على الأكتاف ويطاف به على المسرح بينما يتقدم المذيع)
المذيع: أيها الأخوة المشاهدون.. أيها الصامدون.. الصابرون.. من هنا من موقع الحدث.. تتوالى انتصارات الأمة.. بتوقيع أبنائها الأبرار.. وهنا في هذا الريف الجميل ثمة حدث هام.. وانتصار خارق.. فلقد أسقط الفلاح طائرة العدو..
الجميع: هيه..هيه
المذيع: يسرنا ويسعدنا أن نلتقي بالبطل أبي منقاش ليحدثنا عن ملابسات هذه القصة البطولية.
أبو منقاش: إحم.. إحم..
الجميع: هيه.. هيه.. هيه..
أبو منقاش: الحمد لل..
الجميع: هيه..هيه..
أبو منقاش (يرفع سلاحه مهدداً): الفضل لله وحده... ثم أنا.. أنا.. هوايتي جمع الطائرات واصطيادها من الجو.. ولقد كان اصطياد هذه الطائرة سهلاً جداً.. جداً
(يتقدم أحدهم بمجموعة من الهدايا)
الرجل: تفضل يا أبا منقاش..
هذه مجموعة من هدايا السيد الرئيس بمناسبة هذا الإنجاز.
الجميع: هيه.. هيه.. يا أبا منقاش أحسنت الصنيع.. يا أبا منقاش أفرحت الجميع..
المذيع: أيها الأخوة الصابرون المرابطون.. اصمدوا وصابروا ورابطوا.. سوف نهزم العلوج.. سنحبسهم في دباباهم ونقضي عليهم بعد ذلك.. ستكون بلادنا مقبرة للغزاة.
الجميع: هيه..هيه.. هيه..
(دوي هائل في المسرح.. وقصف شديد.. وطلقات رصاص وأصوات مذعورة) 
أحدهم (مذعوراً): لقد دخل العلوج العاصمة.
أحدهم: سقطت العاصمة.. سقطت العاصمة في أيدي الغزاة.
أحد الجنود (مثخناً بجراحه): لقد هرب رجالنا من المعركة هرب الرجال..اهربوا اهربوا..
أحدهم: الغوث.. الغوث.. النجاة.. العلوج قادمون.. قادمون..
(الجميع يرقصون فرحاً بالغزاة)
الجميع: هيه..هيه.. مرحباً بالعلوج.. مرحباً.. مرحباً.. مرحباً.. مرحباً..
(تبدأ الفوضى تعم المسرح.. ويشاهد البعض وهم يسرقون وينقلون مسروقاتهم.. حتى هدايا أبي منقاش تسرق بينما يقف مذهولاً)
أبو منقاش (محدثاً نفسه): سقطت العاصمة.. هرب الرجال من ساحة المعركة.. الرجال.. العاصمة.. الصحاف.. العلوج.. الغزاة..لا...لا.. لا (يصرخ محتدّاً)
(يدخل الغزاة وهم مسلحون يطوقون المكان بينما يتقدم القائد ومعه العملاء)
العميد: هذا أبو منقاش يا سيدي.. الذي أسقط الأباتشي.
القائد: أنت منقاش..
أبو منقاش: أ.. أ.. أنا منقاش!!
القائد: أ.. أ.. أأنت من أسقط الأباتشي؟!
أبو منقاش: ها..ها.. أنا.. الأباتشي هذا دجل وافتراء ياسيدي.
القائد: أ.. أ.. أأنت من أسقط الأباتشي؟!
القائد: أووه مجرمون ليس عندكم احترام لحقوق الحيوان.
أبو منقاش: أنا لم أسقط إلا هذه.. (يبكي) لقد سقط كل شيء فلماذا لا أسقط أنا أيضاً؟
القائد: ماذا تقول؟
أبو منقاش: لا.. لا.. لا شيء يا سيدي.
القائد: يجب أن تعترف بذلك أمام العالم.
أبو منقاش: العالم.. كل العالم يا عالم.. ياناس.. أبو منقاش لم يسقط الأباتشي.. لم يسقط الأباتشي.. أنا لم أسقط إلا هذه إلا هذه...
(يدور كالمجنون وسط سخرية الجميع وقهقهاتهم)

ستارة