الثلاثاء، 21 فبراير 2012

نزيل الغرفة ( 9 ) - قصة قصيرة


قال – صلى الله عليه وسلم - : " إن على الله عز وجل عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال " قالوا : وما طينة الخبال ؟ قال : " عصارة أهل النار " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شمس الغروب تجمع آخر خيوطها وترحل في صمت والمساء يلف المدينة بردائه الأسود المهيب ، وقد تلبدت السماء بالغيوم التي أخفت بريق النجوم وضوء القمر المتهالك برق يضيء أطراف المدينة ، ورعد ينذر بأمطار غزيرة ، وما تلبث السماء أن ترسل هداياها بسخاء ، الأمطار تضرب نافذة الغرفة ( 9 ) – من مبنى دار الأحداث – بعنث محدثة جلبة مزعجة ..
في الداخل كان شاحب الوجه ، أنفاسه المتصاعدة تتسابق للخروج من داخله المحترق وقد تكون على نفسه في زاوية مظلمة ، وبدأ يصرخ في حدة :
-         لماذا يا أبي ؟ .. لماذا ؟ .. لماذا ؟
هدأت العاصفة ، وخف المطر ، وأخذ يضرب النافذة ببطء وكأنه يعزف ألحاناً هادئة أخذت تتسلل إلى نفسه فتشعره بالراحة ، سار بخطواته المترنحة قليلاً ثم ألقى بجسده المنهك على كرسيهن وأرسل عينيه عالياً لتعانق سقف الغرفة ، وأخذ يجتر ماضيه القريب في مرارة : " جميلة كل الجمال كانت قريتي وهي تحتضن الوادي وتنام في سلام ، أزقتها الضيقة أبنيتها المتلاصقة ، تلاصق قلوبهم البيضاء بياض الثلج ، كنت طالباً في الثانوية العامة متفوق في دراستي ، إليَّ تتجه الأنظار لأكون طبيباً أخدم قريتي ، وأعالج أهلها ، كان هذا حلمي الذي أقتاته كل ليله ، كان أبي محل حفاوة الأهالي وثقتهم وقد اختاروه أمينا لصندوق القرية وأقام أول أمس حفلاً بهيجاً وعشاءً دسماً لمناسبة حصوله على قطعة أرض في المخطط الجديد حضره جميع الأهالي وكانت ليلة رائعة لا تنسى .
كل شيء في قريتي كان جميلاً وهادئاً ، وعجلة الحياة تدور في أمان ، وأنا أسير نحو حلم الجميع بخطى ثابتة وعيون ترمق المستقبل المشرق ، وذات ليلة حدث شيء غريب حقاً !!
بدأت الوساوس تأخذ طريقها إلى نفسي ، والشيطان يلعب بي كدمية صغيرة ، أمي قبعت بجانبي ، تمضغ الصمت وتبكي في حرارة ، عقارب الساعة تتصالح عند الرابعة صباحاً ، كان أبي يترنح في مشيته ويهذي كالمخمور عندما دخل علينا ، لكن الفرحة بوصوله كبيرة أنستنا كل شيء إلا أن أمي بادرته قائلة :
-         أين كنت لقد قلقنا عليك كثيراً وخرج الرجال يبحثون عنك .
وزع نظراته الغاضبة علينا ثم صرخ في حدّة :
-         وهل أنا رضيع حتى تخافوا عليّ .. لا أريد لهذه المهزلة أن تتكرر ، قال ذلك وهو يغيب في ظلال غرفة وسط ذهولنا ودهشتنا .
في اليوم التالي اكتشفت الحقيقة .. لقد كانت الحقيقة مرة والصدمة مروعة ، إن أبي يتعاطى الخمر ، نعم إنه الخمر ذلك الشراب المحرم الذي فتك بعقله وأفقده دينه .. يالله وماذا أفعل ، إنني أعيش صراعاً رهيباً مع نفسي ، مئات من الأسئلة تحاصرني ، تعصف بعقلي ؛ إنه أبي .. القاتل والمقتول .. المجرم والضحية .. أبي .. ماذا أفعل من أجله .

لــيــلــة الــقــبــض - قصة قصيرة

هذه القصة المتواضعة عشتها وعايشتها واقعاً وترجمتها قصة قصيرة ونشرتها في مجلة شباب إبان المرحلة الجامعية :

البرد قارس جداً والظلام الحالك يخنق المكان ، والعتمة الشديدة لم تفتح شهيتي للنوم ، وقع أقدام الحارس تبعث على الخوف ، وطلائع القلق تزحف إلى نفسي ، تجوس في داخلي ، صورة القبض لم تزل عالقة بمخيلتي " يوم الجمعة والمدينة تغط في نوم عميق ، كانت سيارات الأمن ترابط عند مدخل العمارة ، وأفراد رجال الأمن يتقدمون إلى غرفتي في صمت ، الطرق الشديد كان محملاً برعب مخيف والغرفة انقلبت رأساً على عقب ، عندها استسلمت يداي لسلاسل الحديد الكريهة ، والعيون المتطفلة تشيعني وأنا في طريقي إلى المخفر ، الموقف مزيج من الخوف والدهشة ، كم شعرت بذلك وأنا أقف وحيداً جامداً في زنزانتي وكأني تمثال قد من صخر ، تحوطني الهموم وتساورني الشكوك من كل جانب ، وموجات الأسئلة المبهمة تتقاذفني ، ترى ماذا في الأمر ؟ ما الذي جنيت ؟ ماذا أقول ؟ وماذا سيقال لي ؟ .. الصمت ما زال يطبق على المكان ، وعيناي تجولان في العنبر تعانق السجناء برؤوسهم الحليقة ، وثيابهم المقززة ، اللكمات المفزعة توزع مجاناً هنا ، والمعارك الطاحنة بين السجناء روتين تعود عليه الحراس ، لذا فهم لا يتدخلون غالباً إلا بعد نهاية المعركة ، .. عالم عجيب هو عالم السجن ، عالم ما وراء القضبان ، الوقت يمر ببطء ، وعقارب الساعة لا تعمل هنا ، لا نعرف ما الذي يجري وراء هذه الأسوار الصامتة فجأة جاءني صوت أحدهم :
-
السجين ( 905 ) أنت مطلوب في غرفة التحقيق . تملكني الخوف ، وسرت في جسمي رعشة خفيفة لم استطع السيطرة عليها ، بدأ العرق يحتشد على جبهتي برغم برودة المكان ، لم انبس ببنت شفه ، لم أتقدم خطوة واحدة ، فكان الحارس يدفعني بقوة .. وهناك كانت مفاجأة أخرى تنتظرني :
-
معذرة يا عزيزي ، يبدو أننا تلقينا بلاغاً كاذباً ضدك ، لقد أثبتت تحرياتنا ذلك ، نكرر الأسف الشديد ، ونرجوا ألا تخبر أحداً بكرم الضيافة التي تلقيتها عندنا ، قالها المحقق وهو يداعب سيجارة فاخرة ويرفع يده بتثاقل لمصافحتي ، ظللت واجماً ، لم أصدق الخبر ، مشاعر السعادة أخذت تجتاحني ، ترابط في أنحائي ، بيد أن سؤالاً واحداً كان يطن في رأسي بقوة ، لم أجرؤ على إظهاره للمحقق :
-
هل يمكن أن نقتطع من حياة إنسان من أجل بلاغ كاذب ؟ لماذا لا تقف أولاً على صحة البلاغ ؟
في الخارج بدأت احتسي هواء الحرية كما احتسي الطبق من الطعام ، آه .. ما ألذ الحرية ، الآن فقط عرفت لماذا يعيش الصقر في أقفاص الذهب ، .. كانت الشمس مشرقة باسمة تملأ السماء بسخاء ، وتبسط ثوبها الذهبي على الأرض ، إنها ليست كتلك التي كنت أرقبها خلف القضبان ، لقد كانت تلك حزينة وكئيبة ، أما هذه فمشرقة جميلة ، تبعث في نفسي الأمل ، وحب الحياة ، .. ما أجمل الضجيج الذي يطرق سمعي الآن ، ما أعذب الأنغام التي تعزفها السيارات ، .. بوابة الجامعة بدت وكأنها هي الأخرى تبتسم لي وتهنئني بالعودة تفتح ذراعيها لتأبطني جموع الطلاب وهو يتدافعون نحو الكلية في نشاط ، صور ومشاهد من الحياة اليومية كم أحببتها وعشقتها حد الوله .. وها أنا أعود إليها الآن .. لكن سعادتي تلك لم تدم طويلاً ، نظرات غريبة أخذت تتسلقني أينما ذهبت ، والكلمات الجائرة تتدافع على أذني :
-
احذروا منه إنه مخبر سري ، لقد قبض عليه في قضية أخلاقية ، يقال إنه مهرب مخدرات . كان جحيم الكلمات لا يطاق ، نفور زملائي يضايقني ، ورحى الشائعات الرهيب ينطحني ، أشعة الشمس الحارقة لم تبدد ضباب الشكوك المحيطة بي ، كم تمنيت العودة إلى زنزانتي الضيقة ، فأنا الآن في سجن كبير ، كبير لا حدود له ، كان السؤال الذي يلاحقني دائماً :
-
لماذا قبض عليك ؟ ما هي قضيتك ؟ كنت أعيش في دوامة ، بل في تيه كبير كبير جداً ، ماذا أفعل ؟ هل أعلنها في الملأ ؟ هل أصرخ في كل مكان :
-
بريء ، بريء من كل ما يقال عني ؟ .. لكنني عرفت أخيراً أن صوتي سيضيع في قاع الشائعات السحيق ، ولن يسمعني أحد ، فأطلقت نظري للمستقبل ، واشتغلت بما ينفعني ، ولم أعد آبه بكل ما يقال ..
أبــهــــا
عام 1416 هـ

حــــكايـــة بــــحــرية - قصة قصيرة للأطفال


( الأمانة تقود إلى الصيانة )
        كان يا ما كان في سالف العصر والأوان وفي أعماق البحر الأحمر الألوان ، كانت هناك قرية أسماك صغيرة تسمى ميسان يحكمها سمك حكيم يدعى السلطان وذات يوم قرر السلطان أن يختار أميناً للقرية يعهد إليه بحفظ الأموال والذهب  والطعام حتى يتم توزيعها على جميع السكان فأعلن ذلك للجميع وتقدمت الأسماك يحدوها الأمل في الفوز بهذا المنصب الرفيع لاسيما وأن السلطان الحكيم قد أعلن أيضاً عن مفاجأة سارة جداً تنتظر السمكة الفائزة ..
     احتار السلطان كثيراً عندما شاهد الأعداد الهائلة من الأسماك التي تقدمت إلى المسابقة ولكنه اهتدى أخيراً إلى حيلة ذكية وماكرة جداً .. حيث كان على الأسماك أن تتسلم رسالة مختومة بختم الملك وأن تجتاز بعض الأنفاق الموصلة إلى بلاط السلطان كل ذلك في وقت محدد وقصير وعندما انطلقت الأسماك مسرعة بالرسالة كان السلطان وسط حاشيته وأعوانه ينتظر الجميع وقد أعد كل شيء وما إن توافدت الأسماك حتى طلب منهم السلطان طلباً غريباً جداً ؛ لقد أمر الأسماك العازفة أن تعزف بزعانفها ألحاناً راقصة جميلة وأمر جميع الأسماك المتسابقة أن ترقص رقصة السمك الشهيرة ، أخذت الدهشة جميع الأسماك ولم تستطع الرقص والأسماك التي رقصت سرعان ما توقفت وسقطت متعبة جداً بينما ضل السمك الأحمر يرقص في رشاقة حتى أذن له السلطان بالتوقف .
     ران على الجميع صمت مطبق وتساءلت الأسماك فيما بينها بينما انفجر السلطان ضاحكاً  وأخذ يقول :
- لقد وقعتم جميعاً في المصيدة ما عدا السمك الأحمر الذي نجح في الامتحان لقد فتحتم الرسالة التي أعطيت لكم ونقضتم العهد الذي أخذته عليكم بعدم فتحها بدليل أنكم جميعاً دخلتم من البوابة الخلفية ولم تدخلوا من البوابة الرئيسية وكان في الرسالة تحذير شديد من الدخول من البوابة الرئيسية ولم تستطيعوا الرقص لأنكم أثقلتم أنفسكم بالمجوهرات التي سرقتموها من الأنفاق في طريقكم بعد أن نثرناها أمامكم ما عدا السمك الأحمر الذي كان أمينا جداً فلم يأخذ شيء ولم يفتح الرسالة ودخل من البوابة الرئيسية لقد كنت أراقبكم طوال الطريق فكيف تريدون أمانة القرية وأنتم لم تصونوا أماناتكم التي أعطيت لكم إن الأمانة وحدها هي التي تقودنا إلى الصيانة والمحافظة على أموال الغير وممتلكات القرية .
استأذن أحدهم في الحديث وقال :
- وما هي المفاجأة التي وعدت بها يا مولاي ؟
فرد عليه السلطان ضاحكاً بعد أن أخذ بيد ابنته :
- سأزوجه ابنتي الأميرة الصغيرة جزاء أمانته .
وهكذا قادت الأمانة السمك الأحمر إلى هذه النهاية السعيدة وعاشت القرية في سعادة وهناة .              

السمكة تبحث عن صديق - قصة قصيرة للأطفال


( الجنة بلا أُناس لا تداس ولكن ... )
     أخذ النهر طريقه إلى الوادي ليسقي الأشجار والزروع والناس وكان يحدث نفسه في سعادة غامرة :
- يالله .. ما أجمل أن نساعد الآخرين .
    انطلق النهر متدفقاً غزيراً ، يوغل في السهول والوديان فاعترضته السمكة الصغيرة والتي كانت تبحث منذ الصباح الباكر عن أصدقاء للعب :
- إلى أين أيها النهر الصافي ؟ 
فأجاب النهر بصوت هادر كالعاصفة :
- إلى العمل .. الجميع في انتظاري هناك .
- لماذا لا تتوقف .. لنلعب ساعة فقط .
- لا وقت للعب .. يمكنك اللعب في وقت الفراغ .
    قال ذلك ثم رحل وله خرير جميل يتبعه بينما عادت السمكة وحيدة إلى البحر فشاهدت بعض قطرات الماء تركض في صفوف متراصة وتقفز فوق ظهر الأمواج فاستوقفتها قائلة :
- هلاّ .. توقفت قليلاً لنعلب معاً أيتها القطرات .
فأجابت القطرات وهي تبتعد عنها :
- ليس الآن .. فنحن نعمل مع الأمواج في دفع السفن والسفر بها نحو المدينة .
      لم تجد السمكة بداً من العودة عابسة إلى منزلها وهناك شاهدت أمها وهي تعمل في المنزل تعد الطعام للأسرة بينما انهمك شقيقها في مذاكرة دروسه وحلِّ واجباته حتى جدتها السمكة العجوز كانت تعمل في غزل الثياب وحياكتها فأتت إليها منكسرة ذليلة وأخبرتها القصة .
    كشفت السمكة العجوز عن ابتسامة صافية مشرقة وأخذت تضرب بذيلها في الماء في رضى ثم أردفت قائلة :
- أحسنت يا صغيرتي في البحث عن أصدقاء فالصديق يؤانسك ويسليك وقديماً قالوا : الجنة بلا أناس لا تداس ولكن أصدقائك مشغولون في أعمالهن ولا يصح أن نشغلهم عن واجباتهم وغداً يوم إجازة وسيكون الجميع حولك ومعك .
    اعتذرت السمكة الصغيرة إلى جدتها في أدب ثم طلبت منها مساعدتها في عملها فأجابت العجوز على الفور :
- لا .. ولكن اذهبي وساعدي أمك في إعداد الطعام .        

خروف البحر الحزين - قصة قصيرة للأطفال


( قيمة كل امرئ ما يحسن )
- هل سمعت بخروف البحر ؟
- وهل تصدق إذا أخبرك أحد بذلك ؟
حسناً .. في داخل البحر الأحمر يعيش حيوان ضخم جداً يدعى بخروف البحر بشبه الفقمة ( عجل البحر ) وينتهي جسمه العضلي بذيل قوي مسطح وله شفة عليا بالغة القوة والضخامة كان خروف البحر حزيناً جداً ولكنه لن يعد كذلك بعد اليوم !! حسناً سأخبركم بالقصة من أولها :
   في قرية الأسماك الصغير حيث تتوزع الأعشاش الجميلة المتقاربة ، تتخللها الشعب المرجانية والتي أشبه ما تكون بالحدائق العامة ، كان الجميع يعيش في سعادة وهناءة ويتنقلون في جماعات متعددة وغالباً ما يلتقون في الاحتفالات والمناسبات العامة في القرية ..
   وعلى تلة مشرفة على القرية - داخل البحر - كان يعيش خروف البحر وحيداً وحزيناً جداً فقد نأ بنفسه بعيداً عن الجميع الذين كانوا يسخرون منه ويرتعدون فرقاً عند رؤيته بل وينادونه : الحيوان القبيح ، إنه مازال يذكر جيداً عندما أشرف عليهم ذات يوم وهم يضحكون في فرح ويحتفلون في سعادة وعندما شاهدوه أخذوا يوبخونه ويسخرون منه حتى قفل راجعاً كئيباً إلى بيته .. ، كان الحزن يحتل وجهه والدموع تملأ عينيه وهو يقرر السفر بعيداً عن القرية :
- عزيز عليّ أن أفارقك أيها الوطن ولكنهم لا يحبونني ويسخرون مني .. ماذا أصنع ؟!
   وبينما كان في طريقه إلى مغادرة القرية إذا به يسمع صرخات استغاثة تأتيه من قريب فذهب مسرعاً إلى مصدر الصوت ليجد المفجأة في انتظاره إنها مجموعة من أسماك القرية وقد علقت في شباك الصيد وعندما شاهدته صرخت به مستغيثة :
- أنقذنا .. أنقذنا أيها الخروف .. نحن أبناء قريتك .. أرجوك أنقذنا .
- ولكنني لا أصلح لشيء أنا حيوان قبيح .. عديم الفائدة .                   
    نظرت الأسماك إلى بعضها البعض في خجل واكتشفت بشاعة ما كانت تصنع في حقه أما خروف البحر فقد قابل الإساءة بالإحسان وأقبل يلتهم الشباك بشفته الضخمة ويمزقها بذيله القوي حتى استطاع إنقاذ الأسماك التي اعتذرت إليه وأعادته إلى القرية وسط احتفالية رائعة ومناسبة عظيمة تكريماً له .. وهكذا اكتشفت القرية أن قيمة المخلوق في عمله وليس في شكله .  

حــلــم الـــعــــودة - قصة قصيرة للأطفال


( لا يعلم قيمة الوطن إلاّ من ولد فيه )            
       كانت السمكة الذهبية تعوم ببطء وحزن شديدين داخل حوض الأسماك         الفاخر ، اقتربت منها صديقتها السمكة الأخرى وحدثتها قائلة :
- ما بالك حزينة هكذا يا عزيزتي ؟!
أجابت السمكة الذهبية والحزن يعتصر قلبها :
- إنني أفكر كثيراً في العودة إلى الوطن .. إلى أعماق البحر الأحمر .
قالت السمكة وقد أخذتها الدهشة :
- العودة !! .. ولكننا هنا في أمان تام .. بعيداً عن الأسماك المتوحشة .
- والوطن ؟! وأمي .. وأبي .. وإخوتي .. وصديقاتي .. ومدرستي .. ومعلمتي ؟!
- يا صديقتي الماء .. هو الماء .
- لا يعلم قيمة الوطن إلاّ من ولد فيه .
     قالت السمكة الذهبية ذلك ثم أشاحت بوجهها الحزين عن صديقتها وأخذت تنظر إلى البعيد وتحدق بعينين دامعتين إنها تذكر جيداً أمها وهي تحذرها من الخروج بعيداً عن المنزل لكن رغبتها في اكتشاف المجهول كانت جامحة جداً فخالفت أمر أمها وذهبت بعيداً .. بعيداً حتى اختفت عن القرية وسقطت في شبكة أحد الصيادين وبقيت حبيسة هذا الإناء الصلب جداً ..
اقترب الأب من الحوض وأخذ يتفحصه في اهتمام بالغ ثم نادى على ابنه قائلاً :
- سامر .. هيا ساعدني على تغيير ماء الحوض يا بني ..  


غرور سمكة !! - قصة قصيرة للأطفال


( الاهتمام الزائد بالمظاهر قد يؤدي إلى الخسائر )            
    حدث هذا في داخل البحر الأحمر وفي قرية الأسماك الجميلة حيث الشعب المرجانية الزاهية وأعشاش الأسماك الصغيرة المتقاربة والكائنات البحرية المختلفة ، كانت تعيش هناك سمكة سلمون بيضاء جميلة ذات عيناوان حسناوتان تلمعان كحبات الخرز وجسم ناعم رقيق كالزجاج المصقول ، كانت السمكة مغرورة جداً بجمالها الفتّان تمضي الساعات الطوال في تزيين نفسها ودائماً ما كانت تصتحب معها مرآة صغيرة في حقيبتها لتعاود النظر إلى وجهها وتتعهده بين الفينة والأخرى ولم تكن تصغي جيداً لنصائح جدتها العجوز :
- الجمال الحقيقي يا ابنتي هو جمال الأخلاق والاهتمام الزائد بالمظاهر قد يؤدي إلى الخسائر .
    لكن السمكة كانت تمضي موغلة في الاهتمام بجسدها لاسيما وقد كان يطربها ثناء الأسماك عليها واهتمامهم بها وحديث القرية عنها وذات مساء وبينما كانت القرية تحتفل بموسم التفريخ وخروج الصغار إلى الدنيا قررت السمكة أن تظهر رائعة الحفل وسيدة الجميلات فلبست أجمل ما لديها وتأخرت عن موعد الحضور حتى توافدت جميع الأسماك ثم أشرفت عليهم فكأنها القمر في حسنها وأخذ الجميع ينظرون إليها مشدوهين مفتونين بها فتمكن منها الإعجاب والغرور وحدثت نفسها قائلة :
- لقد تفوقت على أهل البحر في الجمال فلماذا لا أطفوا على السطح فقد أتفوق على أهل اليابسة أيضاً ؟
    أخذت السمكة تمتطي ظهر الأمواج وتقفز نشوانة معجبة بنفسها وفجأة امتد ظل كبير على سطح البحر لقد كان طائر صائد الأسماك الذي اختطفها إلى الأبد بعد أن أغرته بجمالها وتعرضت له بجسدها فأضحت وجبة جاهزة له .. وهكذا دفعت السمكة حياتها ثمناً لغرورها وتكبرها .         

حكاية ورقة التوت - قصة قصيرة


هبت على المزرعة ريح شديدة وقوية ، كانت تزأر وتعصف بشدة ، وأخذت الأشجار الكبيرة تتطوح يمنة ويسرة ، الأشجار الصغيرة كانت تتراقص بفعل قوة الريح ، أوراق التوت أخذت تصرخ وتستغيث طالبة العون من الله صاحت أحداهن وكانت عقيلة وحكيمة :
- تماسكن .. تماسكن يا أوراق التوت .. العون يا رب .
زأرت الريح مرة أخرى فعصفت بأوراق التوت واللاتي تفرقن في الهواء وأخذن يسبحن وكأنها وسط أمواج بحر متلاطمة .
.. وأخيراً هدأت العاصفة وتفرقت الريح على رؤوس الجبال كانت ورقة التوت مع أربعة من أخواتها أخذن يتحسسن أنفسهن ويستعدن نشاطهن للعودة إلى المزرعة لكن جلبة مزعجة أخذت تعم المكان وهزة خفيفة انتشرت حولهن صرخت إحداهن في هلع :
- يا إلهي .. لقد سقطن وسط مصانع دود القز .
صاحت الورقة الحكيمة على أخواتها : اسرعن بالهرب وتدحرجن على الأرض لكن العشرات من الدود كانت قد أمسكت بالورقة الصغيرة وبدأت في التهامها ، استقرت أوراق التوت برأسها لتستطلع الأمر ، لقد كان ظبي المسك يجوس خلال الحشائش ليبحث عن الطعام ، وفجأة أبصر أوراق التوت أمامه وهي تختبئ في ذعر فأمسك بإحداهن وأخذ يأكلها في نهم بينما هبت نسمة هواء خفيفة حملت الأوراق الأخرى إلى حافة النهر .
طنين مزعج أخذ يحلق في الأفق كانت العشرات من عاملات مملكة النحل في طريقها للبحث عن الرحيق ، ألقت التوتة الحكيمة نفسها في النهر بينما استسلمت الأخرى للنحل الذي هبط عليها من السماء وأخذ يمتص رحيقها ليصنع العسل للناس ..
استوت ورقة التوت الحكيمة على سطح النهر في طريق العودة إلى المزرعة وأخذت تحدث نفسها بصوت مسموع ( سبحان الخالق العظيم .. نحن ورقات التوت يأكلنا دود القز فيصنع الحرير ويأكلنا ظبي المسك فيخرج المسك .. ويمتصنا النحل فيصنع العسل .. فسبحان الخالق العظيم ) .
كان الليل قد غلف الغابة السعيدة وخلدت الحيوانات إلى سبات لذيذ عندما عادت ورقة التوت الحكيمة إلى المزرعة الكبيرة .


بقلم / محمد علي البدوي        

الكنز المفقود - قصة قصيرة للأطفال


صاحت ريما الصغيرة فزعة وهي تدلف على أبي في بهو الدار :
- الكنز .. الكنز .. لقد فقدته يا أبي !
رفع أبي عينيه عن المصحف الكريم وصعده في ريما التي وقفت مذهولة وقال مبتسماً :
- " عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم "
أختي ريما في الصف السادس الإبتدائي وتحتفظ بحافظة نقود في غرفتها فهي تحب الادخار وتقتصد في مصروفها ويبدو أنها فقدت هذا الكنز أخيراً .. قام أبي على الفور وجمع إخواني حوله وأصدر أمراً عاجلاً بالبحث عن الكنز وجعل مكافأة صغيرة لمن يحصل عليه أولاً ،و كان كعادته مبتسماً ويردد قوله تعالى : " عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم " .
بحثت أنا في حديقة المنزل وكان أخي عامر يبحث فوق السطح وأبي مع ريما في غرفتها وأخذت أختي سلمى تبحث في الغرفة الأخرى .
كانت الشمس تتضيف للغروب عندها صاحت سلمى :
- أبي .. أبي لقد وجدت قلادتي .
اتسعت ابتسامة أبي كثيراً وأخذ يردد في سعادة " عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم " .
ووجدت كتابي المفضل في حديقة المنزل ، أما أبي فقد كان يردد دائماً " عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم " .
اجتمعنا نعرض مفقوداتنا أمام ريما المغضبة والتي أخذت تنظر بعيون متسائلة ملأتها الدموع حزناً على كنزها المفقود ، .. وفجأة أخذ هاتف المنزل يصرخ في حدة ، ابتدره أبي الذي أخذته الدهشة وارتسمت على وجهه أمارات الفرح :
- ماذا .. أخيراً .. الحمدلله .
أغلق أبي الهاتف واتجه نحو ريما قائلاً :
- ريما .. لقد وجدت صديقتك عالية كنزك المفقود في سيارة أبيها .!
كانت هذه الحادثة درساً لنا جميعاً بفضل الله ثم بفضل ذلك الكنز المفقود وصدق الله العظيم إذ يقول : " عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم " .


بقلم / محمد علي البدوي       

لن أذهب إلى المدرسة - قصة قصيرة للأطفال


قلت لأبي يوماً : ( سأترك المدرسة .. لن أذهب إليها بعد اليوم ) .
والحقيقة أنة لم يكن هناك سبب لتركي المدرسة سوى أنني فضلت الكسل والراحة.
العجيب أن أبي لم يغضب , ولم يعاقبني! بل أخذ يبين لي أنني على خطأ , لكنني قلت له :
أنا لا أحب المدرسة , ولا أحب الواجبات , ولا أحب الرياضيات .. ولن أعود إلى المدرسة أبداً ..
أبداً ..
مرت الأيام وأنا غائب  عن المدرسة .. أنام في ساعة متأخرة .. وألعب كثيراً مع أولاد الجيران .
وفي أحد الأيام قال لي أبي عند عودته من العمل :
- أحمد.. لقد أحضرت لك مفاجأة .
- ماهي يا أبي ؟
- لقد اشتريت لك بغلاً صغيراً وجميلاً .. إنه في الإسطبل الآن .. أحضرته لك حتى تتنزه عليه في الغابة .
فرحت بالهدية كثيراً .. وشكرت أبي أكثر ؛ فقد كان البغل صغيراً وجميلاً حقاً .. وأصبحت أهتم به كثيراً .. فأطعمة وأسقيه .. وأحياناً أغسله .
وذات يوم وعدت أصدقائي بنزهة في الغابة على ظهر بغلي الصغير .. وحين حضروا لرؤيته كانت المفاجأة أن البغل لم يتحرك .. فضحك أصدقائي مني .. فغضبت وأخذت أضرب البغل بقوة .. لكن أبي زجرني .. فقلت له : إنه لا يعمل يا أبي .. قال وهو يبتسم :
- دعه الآن .. واصبر فربما يعمل ويتحرك غداً .. عليك فقط أن تطعمه .. أخذت أطعم البغل وأسقيه وأعتني به .. ومع ذلك فهو على حالته .. لا يتحرك .. ولا يعمل .. صبرت أياماً حتى نفذ صبري .. فأخذت أنهال عليه بالضرب المبرح .. وأصرخ فيه بقوة :
- أيها الكسلان .. أيها البغل الكسول .. خذ .. خذ ..
أسرح أبي نحوي .. وزجرني .. وصرخ في وجهي قائلاً :
- توقف .. لماذا تضربه هكذا ؟
- إنه يستحق الضرب .. إنه كسلان لا يعمل .
- وما العيب في ذلك .. إنه هذا البغل مثل كثير من الناس الذين لا يعملون ولا يحبون العمل .. ومع ذلك فإننا نعذره لأنه بغل .. ولا عقل له حتى يعرف قيمة العمل .. بينما نحن لا نعذر الإنسان الذي ميزه الله بالعقل ؛ فأنت الآن لا تعمل ؛ ولا تذهب إلى مدرستك ؛ ومع هذا لم أضربك !
لم أنطق بكلمة .. بل ذرفت الدموع ؛ وأقبلت على حضن أبي ؛ فمسح على رأسي وقال :
- هل ستعود يا ولدي إلى المدرسة حتى لا تكون مثل الـ .. ؟!
- نعم سأعود .. سأعود .
وهكذا عدت إلى مدرستي .. وإلى مذاكرة دروسي بجد واجتهاد .. وقد أخبرني أبي فيما بعد أن البغل الذي اشتراه لي كان مريضاً ولا يستطيع الحركة !


بقلم / محمد علي البدوي


يوم مبارك - قصة قصيرة


بعد صلاة العصر مباشرة المسجد يموج بجموع غفيرة من المصلين والجنازة تشق طريقها في مشهد حزين ومؤثر تقدم الإمام وكبر للصلاة على الميت .. وبعد الصلاة تسابق الجميع للمشاركة في مراسم التشييع .
مشهد الجنازة وهي تحمل على الأعناق ، ثم تودع قبرها في خشوع ، وينهال عليها التراب من كل مكان ، كانت هذه المشاهد ما تزال عالقة برأس حازم وهو يغذ السير نحو بيته القريب .
في الطريق إلى المنزل لمح حازم طفلاً صغيراً عند باب المسجد يستجدي الناس كان وجهه شاحباً ، وعيناه غائرتان ، ثيابه الرثة توحي بأنه مسكين ومعدم وبحاجة إلى العطف والمساعدة ..
تقدم إليه حازم وأودع في يده ريالات ثم قفل راجعاً إلى منزله في سعادة وسرور .
عند عتبة باب داره توقف حازم قليلاً لقد تذكر شيئاً مهماً .. ترى ما هو ؟
- صديقي أحمد .. لم يأتي إلى المدرسة هذا اليوم .. إنه مريض ولابد من زيارته حالاً .. حازم يعلم أن زيارة المريض واجبة وأن ملائكة الرحمن تستغفر لمن زار مريضاً في الله .. لم يطل حازم المكوث عند أحمد دعى له بالشفاء العاجل واستأذن في أدب ثم ودعه في حرارة .
كانت الشمس تتضيف للغروب والشفق الأحمر يحتشد في أفق السماء وحازم حول مائدة الإفطار في انتظار أذان المغرب فاليوم الخميس وحازم يواظب على صيام الإثنين والخميس قال حازم في سعادة ..
- لقد كان هذا اليوم مبارك يا أبي .. حضرت جنازة وزرت صديقي المريض وتصدقت على فقير وصمت اليوم .. الحمد لله .
ابتسم الوالد ثم ربت على كتفه في حنان وقال :
- مبارك عليك هذا اليوم يا ولدي فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً : ( من حضر منكم اليوم جنازة قال أبو بكر أنا قال رسول الله من تصدق اليوم منكم بصدقة قال أبو بكر أنا قال من زار منكم اليوم مريضاً قال أبو بكر أنا قال من أصبح من اليوم صائماً قال أبو بكر أنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعت هذه الخصال في مسلم في يوم إلا دخل الجنة ) .


بقلم / محمد علي البدوي              

الشمس تأكل الرجال - قصة قصيرة


قال لي جدي يوماً : لن تكون رجلاً حتى تأكلك الشمس . قال ذلك ثم ربت على كتفي في حنان  بالغ ، ودلف إلى غرفته الصغيرة الضيقة واشتغل بالصلاة ، وخلفني نهباً للأسئلة التي أخذت تتقاذفني كالأمواج الهادرة :
- وكيف تأكلنا الشمس ؟ .. أهذا القرص الذي يتوهج بالنشاط ، ويشق طريقه في السماء بصمت مهيب ثم ينغمس في البحر كالبرتقالة الضخمة هل يمكنها أن تأكلنا يوماً ما ؟! صحيح أن شعاعها يصلنا في ثمان دقائق لكنها تبعد عنا ملايين السنين فكيف تستطيع أن تأكلنا .. كيف ؟
في اليوم التالي حدث شيئٌ مفزعٌ حقاً .. !!
الشمس توقفت في كبد السماء ، ثم أخذت تقترب شيئاً فشيئاً حتى احترق كل شيء              البيوت ، الشوارع ، مدرستي الجميلة ، والغابة المجاورة ، وارتفتعت ألسنة اللهب عالياً كالجبال حتى كادت تعانق السماء ، كان بطن الشمس يكبر .. ويكبر .. ويكبر .. وفجأة !! انفجرت الشمس واكتسح الكون ظلام رهيب .
استيقظت مذعوراً كان الظلام حالكاً في الغرفة أضأت المصباح ثم أزحت الستارة جانباً عن النافذة ونظرت خارجاً إلى الشارع كانت الشمس تنتصب ساكنة في وسط السماء وهي ترسل أشعتها الدافئة في سخاء وتبسط ثوبها الأصفر على الأرض .. لم يحترق شيء لقد كان حلماً مفزعاً فقط .
مضى على هذه الحادثة عشرون عاماً أصبحت خلالها فتاً يافعاً وأنا الآن وسط حقول السنابل الذهبية أعمل مع الرجال الأشداء وقطرات العرق تتكور على جبهتي ثم تنحدر مسرعة كان العمل شاقاً ومرهقاً لكنه كان لذيذاً جداً فالعمل شرف للإنسان ومن يملك مهنة لا يمكن أن يموت من الجوع أبداً .
جاء أبي مسرعاً ، وقال في حزم :
- يكفي هذا يا بني .. أنظر .. لقد أكلتك الشمس .
أخذتني الدهشة وافتر ثغري عن ابتسامة عريضة .. وأخيراً .. أخيراً أكلتني الشمس ، إذن لقد أصبحت رجلاً .. الآن فقط عرفت ماذا يقصد جدي .. رحمك الله يا جدي لقد كنت حكيماً جداً .
بقلم / محمد علي البدوي    

نــــــــــور - قصة قصيرة


استوقفني الأستاذ عند باب الحجرة وربت على كتفي في حنان ثم قال :
- هل تعرف يا أحمد سر النور المنبعث من وجه صديقكم نور ؟ فبادرته قائلاً :
- ربما يا أستاذي لأن اسمه نور !
 تبسم الأستاذ في صمت ثم قفل راجعاً إلى مكتبه وخلفني نهباً للأسئلة التي تحاصرني وتهزني هزاً عنيفاً :
- ما هو سر هذا النور المنبعث من وجه صديقي ؟
- هل هو السحر يا ترى ؟
 - صديقي بشرته سمراء لكن نوراً خفياً يتسلل من وجهه دائماً .
 في المساء وعندما يخيم الظلام على الشارع ويسكن الجميع للراحة ، كنت أراقبه وهو يؤوب إلى بيته ، أطلق فيه حماليق عيناي أتفحصه أبحث عن ذلك السر الخفي ، لم يكن ثمة نور سوى ما تجود به الأعمدة التي رصت على جانبي الطريق .
 عمدت ذات مساء أن أغلق مصباح الحجرة الذي يقف بيننا ومع ذلك لم يضيء وجه         صديقي ، ولكن أشعر أن لوجهه نوراً عجيباً .
 في اليوم التالي قررت أن أكتشف سر هذا النور ، تتبعت أثر صديقي ، كنت أراقبه وهو يدلف إلى المسجد قبل الأذان ويقرأ ورده من القرآن ويصلي مع الجماعة في الصف الأول مكثت معه في المسجد بعد الصلاة وهو يتلو أذكار المساء ، سألت عنه أصدقائه وزملائه ؛ اتفقوا جميعاً على أنه لم يكذب أو يخون ولا يخلف وعداً قطعه على نفسه ، كانت الإبتسامه لا تفارق محياه ، ومع ذلك لم أشاهده يفعل في وجهه شيئاً انكره سوى الوضوء الذي يحرص عليه دائماً .
 في المدرسة توجهت إلى أستاذي مسرعاً وأخبرته بكل شيء تبسم وضمني في سعادة ثم قال  فرحاً :
- أحسنت يا أحمد .. لقد اكتشفت أخيراً سر النور الذي يأتي من وجه صديقكم .
فقلت له متعجباً !!!
- وكيف ذلك يا أستاذ ؟
-  إنه نور الطاعة يا ولدي .. طاعة الله .. إن للطاعة نوراً في الوجه وانشراحاً في الصدر وطمأنينة في الوجه .. ذلكم هو السر يا ولدي .
ودعت أستاذي في حرارة وأنا عاقد عزمي على أن أصنع لنفسي مثل هذا النور ...


بقلم / محمد علي البدوي      

الساعة الهاربة - قصة قصيرة للأطفال


الساعات هنا كثيرة ، وأنا أبحث عن ساعتي ولم أجدها ، لقد هربت مني ، وقالت : لن أعود إليك مرة أخرى .
لقد عرفت قيمة الساعة الآن فالساعة نعرف بها الأوقات ، وبها نستطيع أن نضبط المواعيد ، ولكن أين ساعتي ؟ أين هي الآن ؟
أمسكت بإحدى الساعات وقلت لها : هل أنت ساعتي ؟ قالت : لا .. لا .. لا يمكن أن أكون ساعتك وأنت لا تحافظ على أوقاتك ، أنا ساعة المؤذن ، يعرف بي أوقات الصلاة لذلك فهو لا يتخلف عن الصلاة ، دعني ، دعني فقد حان وقت الصلاة ، ما زلت أبحث عن ساعتي وسط هذا الركام من الساعات التي تعمل دون توقف ، ورنين ساعة الجرس يزعجني ، أمسكت بساعة أخرى وقلت  لها :
- هل أنت ساعتي ؟
- لا يمكن أن أكون ساعتك وأنت لا تحافظ على وقتك ، فتضيعه في غير فائدة ، أنا ساعة المدرس فهو يضبطني على مواعيد الحصص الدراسية ولا يتخلف عن موعده لأنه ينشر العلم بين طلابه .. دعني .. دعني فقد حان موعد الدرس .
وأخذت أبحث عن ساعتي والغريب أن الساعات بدأت تعود إلى أصحابها وأخذ عددها ينقص تدريجاً ، أمسكت بإحدى الساعات وقلت لها :
- هل أنت ساعتي ؟
- دعني فأنا ساعة الطبيب فهو يضبطني على موعد عمله ولا يتخلف أبداً عن موعده لأنهه يعالج  الناس ويقدم لهم المساعدة ، وهم يحبونه كثيراً وقد حان موعد عمله .
السعات غادرت المكان وعادت إلى أصحابها ولم أعد أرى هناك ساعة سوى ساعة واحدة ظلت قابعة في الزاوية – حزينة أنها ساعتي لقد عرفتها عندما تقدمت لكي آخذها قالت لي :
- هل رأيت كل الساعات عادت إلى أصحابها لأنهم يحافظون عليها ويحفظون أوقاتهم أما أنت فدائماً ما تضيع أوقاتك في غير فائدة ، إنك لا تضبط موعد الصلاة ولا موعد الطعام ولا موعد زيارة أصدقائك ، تنام متأخراً فتتأخر عن موعد المدرسة ، لقد أتعبتني .
ولكني وعدتها بأن أحافظ على مواعيدي وأن أنظم أوقاتي فعادت معي ، وفجأة قمت من نومي فزعاً على رنين ساعة المنبه ، لقد كان حلماً جميلاً ولكنه مفيد ....... أليس كذلك ؟

بقلم / محمد علي البدوي

انتقام القط الأسود - قصة قصيرة للأطفال


خالد طالب مشاغب وصانع ماهر للفوضى لا يهتم كثيراً بدروسه ولا يذاكر واجباته ومع كل ذلك فهو عدو لدود للحيوانات الأليفة كنا دائماً ما نبذل له النصيحة بأن يشفق عليها ، ونذكّره دائماً بقصة المرأة التي دخلت النار بسبب هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولاهي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، ولقد ذكرت له يوماً قصة الرجل الذي غفر الله له وأدخله الجنة بسبب الكلب الذي سقاه شربة ماء .. لكن خالداً ما كان ليستمع لنا بل كان يسخر منا ويتهمنا بالجبن والخوف من الحيوانات .
في فناء المدرسة الواسع وفي وقت الفسحة تحديداً حيث تمور المدرسة بالحركة واللعب وترتفع الأصوات بالضجيج ، كان يحلو لبعضنا الجلوس مع خالد والتحلق حوله وهو يتحدث عن قصصه ومغامراته مع الحيوانات وبطولاته الخارقة في اصطياد القطط وعن السجن الكبير الذي أقامة لأسر الحيوانات المسكينة كان يأتي كل ذلك في غاية السعادة ويتحدث عن نفسه وكأنه بطلٌ عظيم وفارس مغوار .
كان لابد أن يقف صديقنا عند حده وأن يتعلم درساً مجانياً في العطف على الحيوانات لذلك قررنا خفية أن نلقنه هذا الدرس خصوصاً وأنه ينام في غرفة منعزلة عن بيته .
في المساء حيث يطبق الظلام على الشارع يستسلم الجميع للنوم عاد خالد إلى مسكنه متأخراً كالعادة ودلف إلى غرفته في عجل فكانت المفاجأة تنتظره لقد شاهد قطاً أسوداً ينام على فراشه في أمان ، ارتسم الشر على محيا خالد وهو يشرع في إغلاق النافذة وإحكام الباب ثم أخذ يزمجر في منتهى الغضب :
- اتقتحم غرفتي أيها القط المتشرد .. حسناً لقد سعيت إلى حتفك بنفسك .
أحسّ القط بجلبة خالد ، ثم ولى هارباً يبحث لنفسه عن مهرب لكن جميع المنافذ قد سدت في وجهه وخالد أقبل عليه بعصاً غليظة يهوي بها على رأسه عندها لم يجد القط بداً من مواجهة خالد والدفاع عن نفسه .
تملك الرعب نفس خالد وهو يرى القط يندفع إليه بشراسة محاولاً إصابته ، فأسرع خالد نحو الباب وفتحه على مصراعيه لكن مفاجأة أخرى كانت تنتظره ...
قط أسود كبير يمشي على قدميه يتقدم نحو خالد محاولاً الإمساك به قال خالد في توسل شديد وهو يرتجف من شدة الخوف وقد غلبته دموعه :
- أرجوك دعني .. أرجوك دعني .. لا تأكلني .. قال القط وهو يمسك بخالد :  حسناً سأترك هذه المرة على أن تعدني بأن تترك الحيوانات وتتعهد بعدم إيذائها ..
قال خالد في ذعر شديد : أعدك بذلك وسأطلق سراحها ولن أؤذيها بعد اليوم .
في المدرسة لم يعد الجميع يتحلقون حول خالد ولم يعد يتحدث عن مغامراته مع الحيوانات لقد ترك ذلك منذ زمن وأصبح رئيساً لجمعية الرفق بالحيوان في المدرسة .      


بقلم / محمد علي البدوي

البوم صديق الفلاح - قصة قصية للأطفال


       وضّاح فلاّح نشيط ، يستيقظ مبكراً ، مع نسمات الصباح الأولى ، يصطحب أدواته ، ويؤم بستانه القريب في سعادة ، وفي الحقل يعتني وضاح بسنابل القمح الذهبية التي تنام في حضن أوراقها الخضراء ، ويشذّب اشجار الليمون الجميلة المتوزعة على أطراف الحقل .
     في هذا اليوم شاهد وضاح حركة غريبة في جذع الشجرة الكبيرة التي تتوسط البستان ! اقترب من الجذع بحذر تأمل كثيراً في داخله ، فرأى حفرة عميقة مظلمة ، ومن وسط الحفرة كانت تبرز عينان كبيرتان ، وبعد أن اكتشف الأمر ، قال في نفسه :
- لقد عرفتها إنها بوم ، ويبدو أنها تسكن هنا منذ مدة ، و لكن ترى ما هو السر وراء هذه البومة ؟!
        " .. البوم يا أصدقائي الأطفال : طائر جارح ، يعيش منعزلاً ، ويبحث عن غذائه        بالليل ، لذا يسمونه صائد الظلام ، وجهها مستدير ، ورأسها كبير ، لها طوق من الريش يحيط بعينيها ، ويغطي فتحتي أذنيها الكبيرتين جداً ، عيونها كبيرة تتجه إلى الأمام على عكس معظم أنواع الطيور الأخرى ، وجسمها سميك قصير ، منقارها قوي معقوق والأرجل قوية ، ذات مخالب حادة.. "
       تشاءم وضاح كثيراً من وجود البوم في حقله ، فقرر التخلص منها ، عمد إلى سلاحه   الناري ، صوبه تجاه الحفرة ، ثم اطلق منه النار بكثافة ، فسقطت العينان الكبيرتان على الفور .
       وفي اليوم التالي ، استيقظ وضاح كعادته ، واتجه إلى حقله مسرعاً ، ولكن مفاجأة كانت في انتظاره ، لقد شاهد سنابل القمح وهي تحتضر ، بل قد مات اكثرها بسبب عبث الجرذان ، والطيور الصغيرة فيها ، ووسط عناقيد العنب كانت الفئران واليرابيع قد أتت على معظمه ، وتحول بستانه الجميل إلى حفر صغيرة مشوهة .
ندم وضاح كثيراً على قتله البوم ، وعرف أن التشاؤم ليس من الإسلام فيه شيء ، وقال في نفسه :
- آه .. لقد عرفت أخيراً السر وراء هذه البومة ، لقد كانت تقتل الحيوانات الصغيرة التي تعبث بالحقل ، ياللخسارة .
- وهكذا يا أصدقائي الأطفال ، اكتشف وضاح أخيراً أن البوم صديق الفلاح .

بقلم / محمد علي البدوي
   

عندما تغني الأشجار - قصة قصيرة للأطفال


هل سمعت بشجرة تغني ؟ وهل تصدق إذا أخبرك أحد بذلك ؟ ولكن ذلك حدث معي فعلاً! بيتنا الواسع الكبير كان أشبه ما يكون بأرض صحرواية قاحلة لا حياة فيها ، كانت الرمال تزحف على بيتنا في صمت ، والهواء اللافح يضربنا من كل مكان ، كنت دائماً أقول لأبي واخوتي : دعونا نزرع الأشجار حول بيتنا ، دعونا نصنع حديقة جميلة تنتشر فيها الأزهار الملونة وتحط عليها الفراشات الرائعة ، ولكنهم كانوا يسخرون مني ويقولون وكيف تتحول الصحراء الصفراء إلى جنة خضراء ؟
كنت قد قرأت في كتاب (( القراءة )) عن أهمية الأشجار وفوائدها ، فهي تمدنا بالأكسجين وتساعد على تلطيف الهواء ، وتمنع زحف الرمال ولأني قرأت ذلك عن الشجرة فقد حلمت في نومي بحديقة صغيرة في منزلنا سرعان ما تحولت إلى حديقة كبيرة أخذت تكبر وتكبر حتى غطت الخضرة بيتنا الواسع ، وفجأة استيقظت من نومي ولم أجد شيئاً حولي ولكنني سألت نفسي لماذا لا أجعل من الحلم حقيقة ؟
في صباح اليوم التالي – وكانت إجازة مدرسية – بدأت في تنظيف الأرض وعمل الإصلاحات اللازمة ، شققت أخاديد صغيرة أجريت فيها الماء من الحوض المجاور للمنزل ، وحفرت حفراً صغيراً أودعت فيها البذور الصغيرة ، وقمت بزراعة أعشاب وحشائش صغيرة حول الحديقة الصغيرة وجعلت أتعهدها بالعناية والرعاية .. وأخذت انتظر .
وتمر الأيام سريعة ، وتكبر الأشجار ، وتمتد سامقة في السماء وتضرب بأغصانها في الأرض وتلقي بظلها الوارف على منزلنا ، لقد كان منظرها جميلاً حقاً .
والعجيب أنه إذا جاءت الرياح واصطدمت بالأشجار فإنها تصدر حفيفاً جميلاً أشبه بغناء رائع يضفي مع تغريد العصافير جمالاً وروعة ، شدني المنظر جداً فانطلقت إلى أخواني اسمعهم صوت الأشجار التي اجتمعت عليها العصافير وبدأت في الغناء الجماعي ، شدّنا المنظر وقررنا أن نبدأ في اليوم التالي في عمل حديقة كبيرة لمنزلنا الواسع .


بقلم / محمد علي البدوي