الثلاثاء، 29 مايو 2012

المصباح - مسرحية ذات فصل واحد



لله درّهم ........ ما أقسى معاناتهم .. وما أشد غربتهم ......... وحـدهم


المنظر : وقت السحر ........ آخر الليل 
المشهد: يدخل البطل ، يحمل في يده مصباحاً ...... وخلفه مجموعة من الرجال ، من خلف المسرح ....... ينبعث حداء عذب يتسلل متناغماً مع المشهد ..... تقطعه أصوات متداخلة من قهقهات شيطانية ، عواء ذئاب جائعة ، نباح كلاب مسعورة ، صرخات متقطعة . 
صوت : هل ترى المصباح في الروح انطفى ؟ 
أم جفاك الصبح ما أقسى الجفا ؟ 
فجأة : يسقط المصباح ويسود الظلام ويختفي الجميع . 

تفتح الستارة
المنظر : مقهى ... تتوزع فيه الطاولات .... ويتناثر الناس على الكراسي في مجموعات البعض يطالع الصحف ، والبعض يتحلق حول التلفاز ، وآخرون منهمكون في لعبهم ولهوهم .. يرتفع الدخان .... تتعالى الضحكات والصيحات . 
المشهد : يتقدم البطل بخطوات متثاقلة ... يتسمّر أمامهم . 
البطل ( صارخاً ) : أيها الناس .... أيها الناس . 
( صمت يطبق على المكان)
البطل : أيها الناس .... أتوسل إليكم .... هل ؟ هل رأيتم الشيخ عثمان ؟ .... لم يعد يأتي إلى صلاة الفجر ... لم يعد يحضر إلى الدرس .. لم ...... 
أحدهم ( مقاطعاً ) : تباً لك سائر اليوم .. تفسد علينا متعتنا .... من أجل شيخك هذا . 
أحدهم : كان يا ما كان ... كان هناك شيخ اسمه عثمان .... ( يضحك ) 
أحدهم : هل تريد الشيخ عثمان فعلاًَ ؟ 
البطل ( في لهف ) : نعم ... نعم 
الرجل : وهل .. أنت جاد في ذلك ؟ 
البطل ( في لهفه أشد ) : أقسم لك ؟ 
الرجل ( ضاحكاً ) : إذن .. ابحث عنه جيداً .... ( يضحك الجميع ) 
أحدهم ( وقد اقترب من البطل ) : دعك منهم يا بني .. وأعطني فرصة .. حتى أبحث لك عن الشيخ عثمان .. رضي الله عنه .. أين . ؟ أين .. آه .. لقد .. لقد وجدته .. 
البطل( في لهفة آخرى ) : صحيح يا عم 
الرجل : صحيح يا ولدي 
البطل : أين هو .. ؟ دلني عليه ! 
الرجل : إنه .. هنا .. في جيبي .. ( يخرج السواك من جيبه ) .. سواك الحاج عثمان .. قوي .. ولطيف .. ويحارب الجراثيم .. ها .. ها .. (يضحك الجميع ) 
البطل ( مغضباً ) : أنتم الجراثيم . 
أحدهم ( في حدّة ) : بل هو الجرثومة الكبيرة .. هو أم الجراثيم . 
أحدهم : يريد أن يصنع منك ومن أمثالك من الشباب سلّماً يتسلقه للوصول إلى أهدافه . 
البطل ( متعجباً ) : الوصول إلى أهدافه ! أي أهداف ؟ 
أحدهم : الكرسي على ظهر سجادة .. يا مغفل .. 
البطل : ولكنه يعلمنا القرآن . 
أحدهم : هذه الوسيلة .. وتلك هي الغاية . 
البطل ( صارخاً ) : كفى .. كفى .. 
أحدهم : كفْ أنت عن ملاحقته . 
أحدهم : احذر أن تتبعه . 
أحدهم : دعه يسير لوحده إلى طريق الهاوية .
أحدهم ( بحنان بالغ ) : تمتع بشبابك يا بني .
أحدهم : أنت صغير .. لا تحرمْ نفسك متع الدنيا وبهجة الحياة . 
البطل : والله .. والجنه .. والآخره .. أين ذهبوا ؟ 
أحدهم : كلنا يريد الله . 
أحدهم : كلنا يعرف الطريق إليه . 
البطل : نعم .. ولكنكم تجهلون . 
أحدهم : نجهل .. وكيف ذلك يا حكيم .. ؟ 
البطل : إنكم تصلون وتخونون .. تزكون وتسرقون .. تلعنون الكفار وترتمون في أحضانهم . 
أحدهم : الله غفور .. ورحيم . 
البطل : ولكنه شديد العقاب . 
أحدهم ( مغضباً) : عقاب .. عقاب .. كف عن هذا الكلام . 
أحدهم : هيا اذهب وابحث عن شيطانك عثمان .. أغرب عنا .. 
البطل : نعم .. سأبحث عنه .. سأبحث عن اليد المتوضئة .. التي لا تأكل أموال الناس . 
الجميع ( في ارتباك ) : أموال الناس .. ماذا .. تقصد ؟ 
البطل : سأبحث عن الأقدام الطاهرة التي لم تمشي إلى حانة ولم ترقص في خمارة . 
الجميع ( في ارتباك ) : هه .. حانه .. خمارة !! .. يا ولد .. 
البطل : سأبحث عن النفس البريئة الصافية التي لا تحمل غلاً .. ولا حسداً .. 
أحدهم ( من بعيد .. وقد دخل ضاحكاً ) : ها .. ها .. ها .. ستبحث .. ولكنك لن تجده .. أبداً . 
البطل ( وقد التفت إليه في رعب ) : أبداً .. ولماذا ؟ 
الرجل : لأنك تعيش في عالم متسخ جداً .. إما أن تتسخ معه في الوحل .. وإما أن تسجن..وإما أن..
البطل ( يتوجه للرجل ويمسك به ) : وإما .. ماذا .. ؟ أكمل .. لماذا توقفت ؟ 
الرجل : وإما .. أن تقتل . 
البطل ( صارخاً ) : لا .. الشيخ عثمان .. الشيخ عثمان .. لا .. لا .. ( يهرع خارج المسرح ) 
الجميع ( يضحكون ويتمايلون ) : ها .. ها .. ها .. ها .. 
تطفأ الإنارة .... ثم تضاء 
المنظر : في المقهى .. مرة أخرى . 
المشهد : الرجال يتحلقون حول التلفاز لمتابعة مباراة رياضية . 
الجميع ( في فرح ) : هيه .. هيه ( يتقافزون ويضم بعضهم البعض ) 
أحدهم : يا سلام .. هدف .. هدف .. 
أحدهم : لقد أحرزنا هدفاً في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة . 
أحدهم : لقد هاجم رجالنا ببسالة . 
أحدهم : وكانوا فدائيين في الذود عن مرماهم . 
أحدهم : يا سلام .. مبارك علينا الفوز بالكأس . 
أحدهم ( وقد هب واقفاً ) : بهذه المناسبة سأتبرع بمكافأة مالية لكل لاعب . 
الجميع : هيه .. ( يصفقون له في إعجاب ) 
أحدهم : وأنا .. سأقيم حفلاً غنائياً ساهراً . 
الجميع : هيه .... 
الرجل : انتظروا .. انتظروا وسأجلب أفضل الفرق العالمية . 
الجميع : هيه .. ( يصفقون ) 
أحدهم : وأنا .. سأرقص في الحفل . 
الجميع : ها .. ها .. ها .. ( يواصلون الضحك ) 
( يذيع التلفاز خبراً هاماً .. يتحلق الرجال حوله في اهتمام شديد ) 
صوت : جاءنا البيان التالي : بحمد من الله تعالى تم اليوم إلقاء القبض على الإرهابي الخطير المدعو الشيخ عثمان والذي كان يعمل على إثارة الناس وإشاعة الفوضى والتمرد في صفوف طلابه وأتباعه متستراً بستار من الدين ومتظاهراً بالتمسك بتعاليم الإسلام .. هذا وقد تم تنفيذ حكم الإعدام في الشيخ المذكور مساء هذا اليوم ........... 
أعزائي المشاهدين ... دقائق وتستمعون إلى أغنية نجوم الملاعب بمناسبة فوز فريقنا القومي بالبطولة العالمية . 
الجميع ( يعودون إلى الرقص والغناء ) : هيه .. هيه .. كان يا مكان .. شيخ اسمه عثمان .. ها .. ها .. ها .. ها .. 
( تطفأ الإنارة .. تسلط إضاءة خفيفة على البطل ويظهر هائماً على وجه )
البطل : آه .. آه ..أين أنت أيها شيخ ..هل صحيح أنهم قتلوك ؟ ..لماذا ..لماذا ؟لقد كنت دائماً كالشمس المشرقة ،تبعث الدفأ وترسل النور كنت كالنهر المتدفق والنبع الصافي ..هل حقاً فعلوا ذلك ؟ 
صوت قادم من خلف المسرح مقاطعاً : لم ينتهي كل شيء .. بل ستبدأ حياة .. وستفتح صفحة أخرى من صفحات المواجهة ... 
البطل ( يدور في المسرح ) : الشيخ .. هذا صوت الشيخ .. أنت لم تمت إذن ... أين أنت ؟ 
الصوت : الموت حياة أخرى يا بني ... فمن رحم الظلمات يولد الفجر ومن عمق المحنة تكون المنحة . 
البطل : لقد قالوا بأنهم قتلوك ؟ وأدوا النور الذي تحمله . 
الصوت : قتلنا هو بوابة الخلود .. وموتنا طريقنا إلى الجنة . 
البطل : والعمل؟ 
الصوت : لن تصعد السلم ويداك في جيبك . 
البطل : لكنهم سيقتلونني كما فعلوا بك .. وسيزهقون صوت الحق الباقي في هذه القرية . 
الصوت : اطرح عنك هذي الوساوس ... قم واعمل .. قدم شيئاً لهذا الدين .. لا تبالي بما يصنعون .. فهم يحصدون والله هو الزارع .. والله هو الزارع ... ( يختفي الصوت شيئاً فشيئاً) 
( البطل يتبع مصدر الصوت .. تطفأ الإنارة ) 
البطل : توقف أيها الشيخ .. أيها الشيخ .. أيها الشيخ .. 
تضــــــاء الإنـــــارة 
( يدخل البطل وهو يحمل في يده مصباحاً وخلفه جمع من الناس يتبعونه وفي ايديهم مصابيح مماثلة ... يدورون في المسرح .. يصاحبهم حداء شجي ... ) 
الصوت :
سائر في ربى الزمن .... طارق باب ذي المنن 


تغلق الستارة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق