الثلاثاء، 29 مايو 2012

المجنــون - مسرحية من فصل واحد






بقلم / محمد علي البدوي 


المنظر : حجرة دراسية تتوسط المسرح والطلاب يجلسون قبالة الأستاذ
الذي ينهمك في شرح الدرس..
المشهد : المعلم أمام طلابه يواصل شرحه للدرس..

المعلم : ... وهكذا يا أحبائي عشق المجنون ليلى عشقاً جنونيا ً،
وأخذ يبحث عنها في كل مكان حتى فقد عقله ..
( يرن الجرس معلناً نهاية الدوام .. فيخرج المعلم ويوصي طلابه )

تلميذ (1) : يا له من محب .. أحب حتى الجنون ..
تلميذ (2) : هـ.. هـ .. هذا الحب الحقيقي .. و.. و .. وليس حبنا هذه الأيام ..
تلميذ (1) : ومن الحب ما قتل أهي جميلة إلى هذا الحد ؟!
( يهم الطالبان بالخروج .. ولكنهما يستمران على يمين المسرح ،
وينظران مشدوهين للقادم نحوهما تطفأ الإنارة ،
تسلط إضاءة خفيفة على الطالبين والقادم )
التلميذان ( يصرخان ) : .. آه .. آه .. النجدة ..
التلميذان : من أنت ؟
( يدخل المجنون - قيس بن الملوح - مرتدياً ثوبا ً أحمراً ممزقا ً ،
وشعره مسدول على وجهه وهيئته رثة جدا ً )
قيس : أنا المجنون .. المجنون .. مجنون ليلى ..
التلميذان : قيس بن الملوح ؟!
قيس : نعم .. أنا هو !
التلميذان : ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ وكيف اخترقت جدار الزمن .. يا قيس ؟
قيس : تلك هي قصتي الطويلة .. إنني أبحث عن ليلى .. وكنت أجوب هذا الشارع بحثا ً عنها ..
فسمعتكم تتحدثون عن ليلى .. فدلفت أبحث عنها .. ليلى .. أين أنت يا ليلى ؟
( المجنون يمر بيده على حجرة الدراسة .. ويتحسس الجدران ويقبلها ثم ينشد )
قيس : أمرّ على الديار .. ديار ليلى .. أقبل ذا الجدار .. وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي .. ولكن حب من سكن الديارا
تلميذ (1) : لقد جُنّ الرجل حقاً ..
( المجنون يمسك بتلميذ (1) ويتأمل فيه طويلاً )
تلميذ (1) : ( وقد تخلص من قبضة المجنون وهرب للجانب الآخر ) : دعني أيها المجنون دعني ..
تلميذ (2) : المسكين .. لقد اختلط عليه الأمر .. و .. ولماذا لم تتزوج بليلى .. يا .. يا .. يا قيس ؟
قيس : لقد زوجوها ورحلوها بسحر.. السفلة.. لقد فعلوها بقلبي..
وخلفوني للحزن والألم يومها أتيت كالمصروع..
إلى ديارها وقد رحلت فأخذت أتمرغ بترابها وأنا أنشد :
أيا حرجات الحي حيث تحملوا .. بذي سلم لا جادكن ربيع
وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى .. بلين بلىً لم تبلغن ربوع
تلميذ (2) : المسكين .. و .. ومنذ متى وأنت تحب ليلى ؟..
قيس : منذ الصغر.. منذ عهد الطفولة الأولى.. عندما كنّا نرعى البهم على سفوح الجبال :
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا .. إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
تلميذ (2) : .. و.. و.. ولماذا تلبس هذا الثوب المضرج بالحمرة ؟
قيس : من كثرة البكاء على ليلى ..
تلميذ (2) : و.. و.. وهل تبكي دماً يا رجل ؟
تلميذ (1) : لا بد وأنه يحتفل بعيد الحب .. يا صديقي ..
قيس ( متعجباً ) : عيد الحب .. وأي حب ؟
تلميذ (1) : " عيد القديس فالنتاين " !
قيس : أي فالنتاين ؟
تلميذ (1) : إنه يوم الحب .. الرابع عشر من شهر فبراير الميلادي ..
فالبنات يرتدين أقراطاً حمراء ويضعن مساحيق التجميل الحمراء ..
ويتبادلن الهدايا ذوات اللون الأحمر وعبارات الغرام الساخنة
فيما بينهن احتفالاً بذلك العيد ..
قيس : ما هذا الهراء .. ؟
تلميذ (1) : نعم إنه هراء.. لا.. ليس بهراء.. ولكنها الهزيمة..
هكذا نحن دائماً لقد تعودنا أن نستورد كل شيء حتى عواطفنا وقلوبنا ،
لقد نسينا في زحمة المستورد الحق من الباطل ..
قيس : " فالنتاين " مستورد.. أحمر.. أكاد أجن.. أين ليلى ؟ أريد ليلى ..
تلميذ (2) : المسكين.. و.. و.. ولماذا لم تترك لها رقم هاتفك ؟
قيس : رقم هاتفي.. !
تلميذ (1) : صديقي يقصد أن ترمي لها برقم الهاتف أو رقم المحمول..
أو تكتب لها رسالة معطرة مشفوعة بهدية قيمة..
قيس : رقم الهاتف.. رقم المحمول.. أنتما تتحدثان بكلام لا أفهمه.. لا أفهمه..
تلميذ (1) : لماذا لا تبحث عنها عبر مواقع الإنترنت..
إذا كانت ليلى جميلة إلى هذا الحد فلا بد أن لها موقعاً مميزاً
على الإنترنت.. و.. و.. ولكن..
قيس (مقاطعاً) : ولكن.. ماذا ؟
تلميذ (1) : ولكنك لا تستطيع الوصول إليها..
قيس : لماذا.. لماذا ؟
تلميذ (1) : لأن موقعها مزدحم بالكثير من الشباب..
الشباب الذين يحلمون بالنظر إليها والحديث معها.. إنهم هناك..
في مقاهي الإنترنت يهدرون أموالهم وأعمارهم يا سيدي..
قيس : ليلى.. ليست بائعة هوى..
تلميذ (2) : كـ .. كـ .. كلنا في الهواء سواء يا قيس ..
قيس : هذا عبث شيطاني.. أنتم تلعبون بالنار..
تلميذ (2) : ها.. ها.. ها.. ( يضحك ) النار أنتم من أججتم هذه النار ..
تلميذ (1) : تغنيتم بالنساء وتشببتم بالعذارى .. أحببتم حتى جننتم ..
قيس : نـ .. نحن .. نحن !
تلميذ (1) : نعم.. أنتم .. بذرتم البذرة الأولى للهوى.. وأسقيتموها بأشعاركم..
حتى فسدتم وأفسدتم الأجيال من بعدكم.. وسار على دربكم الكثير.. والكثير..
قيس : كفى.. كفى..

( يرتفع في المسرح صوت الأذان – لا إله إلا الله )

قيس : أنصتوا.. أنصتوا.. إنه يقول ليلى.. ليلى..
تلميذ (1) : أستغفر الله.. أستغفر الله.. إنه نداء الحق.. إنه صوت الأذان.. يا رجل !
قيس : نداء الحق !
تلميذ (1) : ألم تسمع هذا النداء من قبل ؟
( مقاطع متداخلة من الأذان )
تلميذ (2) : هـ .. هـ .. هذا هو الأذان .. أذان الصلاة ..
تلميذ (1) : نعم.. إنه الأذان.. ألم يحرك فيك هذا النداء دواعي التوبة ؟
قيس : التوبة ..
تلميذ (1) : ألم تحدثك نفسك بالعودة إلى الله .. بالتوبة إليه ؟
قيس : التوبة .. نعم التوبة :
أتوب إليك يا رحمن مما .. جنت نفسي فقد كثرت ذنوبي
ولكن من هوى ليلى وتركي .. زيارتها فإني لا أتوب

( قيس يغادر المسرح وهو يصرخ : ليلى.. ليلى.. التلميذان يلحقان به وهما يصرخان :
قيس.. قيس.. عد يا قيس.. عد .. تطفأ الإنارة وتضاء إنارة خفيفة )

المنظر : قبور متراصة في انتظام.. وأصوات رياح خفيفة..
صوت : كم فتاة مثل ليلى وفتاً كابن الملوح .. أنفق الساعات في الشاطئ تشكو وهو يشرح
كلما حدث أصغت وإذا قالت ترنح .. فإذا بالموت ينقض سريعاً كالعقاب
ولقد قلت لنفسي وأنا بين المقابر
هل رأيت الأمن والراحة إلا في الحفائر
فأشارت فإذا بالدود عيثاً في المحاجر .. واختفى الحزن رهيناً بين أطباق التراب
انظري كيف تساوى الكل في هذا المكان
وتلاشى في بقايا العبد رب الصولجان
والتقى العاشق والغالي فما يفترقان .. أدركوا أن اللذاذات سراب في سراب
أيها القبر تكلم أَخْبِرَنّي يا رمام
من هو الميت من عام ومن مليون عام
من هو الميت من عام ومن خمسين عام .. كلهم ينظر وعداً صادقاً يوم الحساب
.

مجلة الأسرة / العدد 129
ذي الحجة 1424هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق