الثلاثاء، 29 مايو 2012

القلعة الأخيرة ( مسرحية من فصل واحد )

محمد علي البدوي 16/3/1425
05/05/2004 



- ما الذي يحدث في القلعة الأخيرة .. مؤامرات !! مؤتمرات !! تساؤلات !! تنازلات !! خطر داهم .. وشر قادم !! تلك هي الحكاية: 
( 1 ) 
( صراخ واضطراب وجماعة من الناس في حركة دائبة ، يشاهد أمير القلعة وهو يواجه الناس إلى الداخل وخلفه بعض الجنود ) 

الأمير : ( صارخاً في الناس ) .. إلى الداخل .. تحصنوا في الداخل .. إلى الداخل..
أحد الجنود : لقد تكامل الناس في الداخل يا مولاي .
الأمير : وكيف تسير الأمور هناك ؟
الجندي : إنه يوم الروع يا سيدي .
الأمير : وفي الخارج ؟! 
الجندي : الأعداء في الطريق إلينا . 
الأمير : وكم أمامهم من الوقت للوصول ؟ 
الجندي : ليس أقل من أسبوعين أو ثلاثة .
الأمير : حسناً .. أغلقوا حصون القلعة جيداً وشددوا الحراسة عليها .
الجندي : سنفعل .. يا سيدي .
الأمير : احذر أن تؤتى القلعة من قبلك .
الجندي : أمرك يا سيدي . 
الأمير : واحذر الخونة .. إنهم الصف الخلفي للأعداء دائماً . 
الجندي : اطمئن . ( يخرج ) 
الأمير : وأنت ( يشير إلى أحدهم ) أطلب لي العلماء والقادة للاجتماع في داري . 
جندي آخر : الآن يا مولاي . ( يخرج ) 
الأمير ( صارخاً ) هيا .. حصنوا القلعة وتحصنوا بها .. الأعداء قادمون .. قادمون ( يخرج ).. 

( 2 )
( في مجلس أمير القلعة يظهر الأمير وقاضي القضاة ـ شيخ طاعن في السن ـ وإمام المسجد ـ شاب يتوقد قوة وحماسة ـ والسيد المفكر ـ رجل في الأربعين من عمره ـ ومجموعة من الطلاب أتباع الإمام ) 

الأمير : أيها القوم : تعلمون جيداً ما حلَّ بإخواننا في الممالك المجاورة ؛ لقد سقطت في أيدي الأعداء وهم الآن في طريقهم إلينا . 
الإمام : إنهم يبتلعون بلاد الإسلام دولةً دولة .
القاضي : يأتمرون ويستعمرون . 
الأمير : وقد اجتمعنا هنا لبحث هذه الكارثة القادمة . 
القاضي : اللهم انصر أمير قلعتنا وأيده بتأييدك . 
الجميع : آمين . 
المفكر : مولاي .. هون عليك لم يصل الأمر إلى هذا الحد بعد . 
الإمام : وي !! وإلى أي حد تريده أن يصل أيها المفكر المخرب ؟ 
المفكر : كل ما في الأمر أن لهم مطالب وعلينا واجبات . 
الإمام :ومن يملي هذه الواجبات ؟!
المفكر : الطرف الأقوى .. طبعًا 
الإمام : نحن الأقوى .. بديننا .
الطلاب : ( مرددين ) الله أكبر .. الله أكبر 
المفكر : ظواهر صوتيه !! 
الإمام ( للأمير) : دعك منه يا مولاي ، إنه صنيعة الأعداء وربيبهم ..
المفكر : أنا !! أيها المتطرف المتجهم . 
الإمام : نعم أنت يا سمسار الأعداء لقد تعلمت في مدارسهم وجئت إلينا بسمهم ودسمهم .
الطلاب : ( مرددين ) الله أكبر .. الله أكبر 
المفكر : هكذا أنت دائماً وأبدًا لا تنظر إلا بعين واحدة. 
الأمير ( محتداً ) : اصمتوا جميعاً.
القاضي : اهدؤوا .. ( للإمام ) أيها الإمام عليك بالصبر والحكمة. 
الإمام : الصبر والحكمة !! إلى متى ؟! 
القاضي : إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. 
الأمير : كان عليك يا إمام أن تتريث وأن تسمع للآخر. 
الإمام : لقد سمعنا حتى أتخمنا!! 
المفكر ( للإمام ) : إنك من يثير الأعداء علينا .. بأفكارك المتطرفة وأفعالك الصبيانية . 
الإمام ( للمفكر ) : بل أنت من يرغبهم في بلادنا بزعم التقدم والحرية .. يا سمسار الاستعمار.
الطلاب ( مرددين بصوت واحد ) : لا صلح ولا حوار مع سمسار الاستعمار .. لا صلح ولا حوار مع سمسار الاستعمار .. 
الأمير ( مقاطعاً ) : قلت لكما توقفا .. توقفا .. هل جئنا هنا لبحث مصيبة الخارج أم مصائب الداخل ؟! 
القاضي : كان الله في عونك أيها الأمير .. وأيدك وسددك . 
الأمير : لم نسمع لك رأيًا فيما يحدث هنا يا قاضي القضاة . 
الإمام ( في سخرية ) : يكفيه كثرة الدعاء لكم والصلاة عنكم .. أيها الأمير . 
القاضي : ماذا تقصد يا إمام ؟ أبن عن قصدك . 
الإمام : أقصد كفاك زهداً وتقوقعاً في صومعتك ، وانزل إلى الشارع لتسمع نبض الناس ولترفع عنهم الظلم الواقع بهم .
الأمير : وأي ظلم تقصد ؟! 
الإمام : هذه الإتاوات التي أرهقت الناس والأموال السائبة التي تزهق هنا وهناك إننا إذا انتصرنا على أنفسنا سننتصر على أعدائنا ... يا مولاي . 
الطلاب : ( مرددين ) الله أكبر .. الله أكبر ..
المفكر : أرأيت ؟ أسمعت يا سيدي ؟ حتى قاضي القضاة لم يسلم من شره ، حتى أنتم في دائرة اتهاماته واهتماماته .
الأمير : ويحك !! ماذا تقول ؟! 
المفكر : ( ينفرد بالأمير ويهمس إليه ) إنه يرمي إلى السلطة ويهدف إلى قلب نظام الحكم ؛ انظر إليه إنه يحرض الناس ويحقنهم ضدكم .. يا مولاي . 
الأمير : وكيف ذلك ؟!
المفكر : اسمع إلى مفرداته ؛ الظلم الاجتماعي ، الأموال السائبة ، العدالة .. ، ثم انظر إلى أتباعه وطلابه إنهم رهن إشارته وغداً .. ينقضون عليكم كالأسود الضارية . 
الأمير : الويل له !! 
المفكر : إنها الحقيقة .
الأمير : سأنادي على القاضي . ( يشير إليه بيديه في صمت ) 
القاضي : ماذا هناك يا مولاي ؟! 
الأمير : ماذا تقول في أمر هذا الإمام ؟ 
القاضي : أقول يا ... 
المفكر ( مقاطعاً ) : وماذا عساه أن يقول ؟ لقد تهجم عليه في حضرتك ونال من هيبته 
القاضي : هذا صحيح .. إنه إمام لا يحسن الأدب مع القضاة .
الإمام ( متدخلاً بينهم ) : حنانيك .. حنانيك .. يا سوسة النخلة الحمراء . 
المفكر ( للأمير ) : مولاي .. اضرب ضربتك الكبرى .. وتغد به قبل أن يتعش عليك 
الأمير ( للجند ) : أيها الجند .. أيها الجند . 
الجند : أمر مولانا الأمير . 

الأمير : خذوا هذا الإمام وألقوه في غياهب السجون بتهمة تحريض الناس . 
الإمام ( في رجاء ) : مولاي !!
الأمير : إنني أطفئ نار الفتنة . 
الإمام : مولاي .. ستنهار الأسوار .. ستنهار الأسوار .. ستنهار .. 
المفكر : خذوه .. امنعوا هذا الصوت .. كمموا تلك الأفواه .. أوقفوهم جميعاً .
الإمام والطلاب : ( الله أكبر .. الله أكبر .. ستنهار الأسوار .. ستنهار الأسوار .. ستنهار . 
( يمسك الجند بالإمام وطلابه ويخرجونهم وسط الصيحات والتكبيرات ) 
الأمير : ولكن !! الأعداء قادمون .. قادمون .. أيها المفكر .
المفكر : أعداء ! أعداء ! نحن الذين صنعنا منهم أعداء . 
الأمير : إنك تتحدث بالأحاجي والألغاز .
المفكر : إنهم مجرد أصدقاء .. وصدقني .. صدقني يا مولاي ما دمنا معهم فلن يصلوا إلينا .
القاضي : وهل تريدنا أن ندين بدينهم .. أيضاً ؟
المفكر : لا .. أيها الشيخ الفاضل الحكيم .. ومن يقول هذا ؟! ولكن نشرع لهم أبوابنا وبيوتنا ونسمح لأبنائنا بتداول ثقافاتهم ونخفف من حدّة الغضب نحوهم .
الأمير : وكيف ذلك .. والناس في القلعة يبغضونهم .. لا سيما وقد فعلوا في إخواننا في الممالك المجاورة ما فعلوا ؟ 
المفكر : علينا أن نهتم بالجيل القادم من الناس يا مولاي ... أعداؤنا أ.. أقصد أصدقاؤنا يتمنون لو تربى أجيالنا القادمة على حبهم والتسامح معهم .
الأمير : وهل سنأمن شرهم ؟! 
المفكر : إننا نحاول ترويضهم واستئناسهم وسننجح .... يا مولاي .
الأمير : حسناً .. افعل ما تراه مناسباً أيها المفكر .. لقد جعلتك منذ اليوم مستشاراً للقلعة . 
المفكر : ( في دهاء ) إنها ثقةٌ غالية وأنا أستحقها يا مولاي . 
القاضي : اللهم أعز السلطان .. وآل السلطان وآل آل السلطان .
الجميع : آمـين 
ستــار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق