الثلاثاء، 29 مايو 2012

غرفة نوم - مسرحية ذات فصل واحد

- مجنون في زمن العقل .. أم عاقل في زمن الجنون .. تلك هي المسرحية !!!!!
جانب من زنزانة السجن , كتابات وتواقيع على حائط الزنزانه تظهر بوضوح للنظارة ( مظلوم ) , (أسير الأحزان) , ( ياما في السجن ...) الرجل يسند ظهره إلى الحائط ويلعب بكومة من الأحجار أمامه . بينما يظهر سعد ومسعود وهما يستعدان للنوم ... 
الرجل : ( يلعب بالحجارة ) .. سأخرج .. لن أخرج .. سأخرج .. لن أخرج .. سأخرج .. لن أخرج .. ماذا ؟ لن أخرج .. إهئ .. إهئ .. ( يبكي) .
سعد :( صارخاً ) .. رباه .. ألن يكف هذا المعتوه عن الصراخ ؟
ألن ينام ؟( للرجل ) هيا انهض من هنا حالاً ..هيا .. وإلا ( يكور قبضته في وجه الرجل)
مسعود : دعك منه يا أخي .. لقد ألفناه .
الرجل :( وقد ابتعد قليلاً) .. سأعيد اللعب مرة أخرى .. ربما أخطأت هذه المره .
سعد : لقد أخطأوا .. حينما جاءوا به إلى هنا .. إن مكانه الطبيعي هو المصحة النفسية ..
مسعود : هل تعتقد ذلك ؟
سعد : وأقسم عليه .
مسعود : لافرق إذن .. هنا أو هناك .. عاقل في زمن الجنون أو مجنون في زمن العقل .
سعد : ( مندهشاً ) .. أخي .. ماذا تقول ؟
الرجل : (من بعيد) .. سأخرج .. سأخرج .. فرجت .. فرجت :
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج 
مسعود : ما شاء الله صاحبنا يقول الشعر أيضاً .
سعد : عجبي .
الرجل : ستشرق الشمس من جديد .. وسيطلع الفجر السعيد .. وداعاً يا عالم الظلام .. وداعاً يا غرفة الأحزان .. ( يهرش رأسه بسبابته مستدركاً ) و .. و .. ولكن متى ؟ سأخرج متى ؟ سأعيد اللعب مرة أخرى .. حتى أتحقق من الموعد .. نعم .. 
سعد : يا عالم .. يا ناس . أكاد أجن .
مسعود : ألم أقل لك يا عزيزي .. مجنون في زمن العقل .. لقد كانت الصدمة قويه على نفسه ..
سعد : وأي صدمه .
مسعود : السجن .. لقد عرفت أنه من أسرة ثرية جداً, وكان متفوقاً في دراسته , وقد ورث عن أبيه أموالاً طائلة أنفقها على رفاق السوء وعلى المخدرات .. التي قادته إلى عالم الجريمة .. وها هو اليوم كما ترى .
سعد : أشلاء إنسان . 
مسعود : نعم . أحياناً يحرم الإنسان نفسه متعة الحياه . بما يرتكبه من حماقات .
سعد : هذه واحده منها .
مسعود : بالطبع .. هيا .. عد إلى نومك يا عزيزي .. واحلم أحلاماً جميله .. الأحلام هي كل ما نملك في هذه الغرفة . 
الرجل :( صارخاً ) .. اليوم .. سأخرج اليوم .. ( ينظر في ساعته ) .. أوه .. لم يبقى سوى ساعات .. لابد أن أستعد للخروج .
سعد : ( يضحك ) ,...ها...ها ...ها ... 
مسعود : ربما يكون يكون صادقاً فلنسأله عن موعد خروجنا .. نحن أيضاً .
سعد : حتى أنت يا صديقي .. ها .. ها .. ها ( يضحك ) . 
سعد : ( وقد وضع خديه على كتفيه ).. آه .. لقد ذهب النوم ..وداعاً أيها النوم ..
( صوت قادم .. باب الزنزانة يفتح ).
الرجل : الإفراج .. هذا العسكري .. جاء ليفرج عني .. آووه .. 
أنتظر قليلاً حتى أستعد يا سيدي .. ( يرتب هندامه ). 
سعد ومسعود : ( في ذهول ).. ماذا ؟ 
( يظهر العسكري وهو يقتاد المعلم حمدان داخل الزنزانة ).
العسكري : هيا ... أدخل يا أستاذ .. نوماً سعيداً .
( يتوارى المعلم خجلا ً في زاوية الحجرة ).
الرجل : ( للعسكري ) وأنا .. يا سيدي .. 
العسكري : وأنت.. ماذا بك؟
الرجل : ألم تأتي لتفرج عني؟ 
العسكري : أفرج عليك .. بأمر من؟ 
الرجل : بأمر الأحجار التي حسبتها .. لقد كانت حساباتي صحيحة.
العسكري : أحجار .. ها .. ها .. ها .. ( يخرج ضاحكاً) .
الرجل : ( يمسك بباب الزنزانة ويصرخ ) .. أخرجوني .. لقد كانت حساباتي صحيحة .. أخرجوني .. أخرجوني .. هيء .. هيء .. (يبكي ويدور في المسرح ) .. ولكن من يدري ربما أخطأت .. سأعيد اللعب .. 
سعد ومسعود : ( يضحكان معاً ) .. ها .. ها .. ها 
الرجل : ( لهما ) : 
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم 
سعد ومسعود : ( يضحكان أيضاً ) .. ها .. ها .. ها .
مسعود : ترى من القادم الجديد ؟
سعد : مجرم طبعا .. الملائكة لا تأتي إلى هنا .
مسعود : تعال لنقدم له واجب الضيافة .
سعد : تقصد واجب العزاء .. أذهب لوحدك .
مسعود : هذا شأنك .
( يخلد سعد للنوم , بينما يتجه مسعود ناحية المعلم )
مسعود : السلام عليكم .. 
المعلم : .......................
مسعود : ظالم ومظلوم لا فرق هنا .
المعلم : .......................
مسعود : أنت في السجن يجب أن تعيش هذه الحقيقة .. والسجن ليس نهاية التاريخ .. وإنما فرصة لإعادة النظر .
المعلم : ......................
مسعود : لا بأس لقد جئت أودي واجباً , وأظني أنني قمت به , ليلة سعيدة (ينصرف).
المعلم : أنت . 
مسعود : حسناً .. يبدو أنك قبلت الإنضمام إلينا .
المعلم : إليكم !
مسعود : نعم .. إلينا .. في هذه الغرفة الموحشة التي هي كل دنيانا .
المعلم : أنا لاأحب عالم الجريمة ولا يشرفني الإنتماء إليها .
مسعود : كلنا يكره الجريمة .. لكننا قد نضطر إليها أحياناً للتعبير عن غضبنا .
المعلم : أحسنت . وهذا الذي فعلته , لقد أغضبني . نال من كرامتي . ذلكم الوغد .
مسعود : وهل قتلته يا سيدي ؟
المعلم : ليتني فعلت , لقد أنقذه الزملاء من بين يدي .. بعد أن أعملت فيه أظافري وقد تحول إلى أرنب مذعور , آه .. كيف أفلت مني ذلك الوغد .. كيف ؟
مسعود : من يا سيدي ؟
المعلم : أحد طلابي .. أنا المعلم حمدان .. صفحتي أبيض من اللبن .. وسنوات خدمتي وسام على صدري , أهان من طالب صغير من طلابي , حفيد من أحفادي , أتوقف في الزنزانه . هذه وصمة عار في جبيني .. وجبين المهنة التي أنتمي إليها ( يصرخ وهو يمسك بباب الزنزانة ) أخرجوني .. أخرجوني .. من هنا .. أنا مظلوم .. مظلوم .
الرجل : ( من بعيد ) .. 
ما يدخل السجن إنسان فتسأله *** ما بال سجنك إلا قال مظلوم 
المعلم : من هذا ؟
مسعود : حكيم هذه الغرفة .
المعلم : صوته ليس بغريب عني ( يتأمل وجه مسعود) .. صورتك أنت أيضاً ليست..
مسعود : نعم يا أستاذي , أنا أحد طلابك الذين كان لهم شرف التعليم على يديك .
المعلم : كثيرون هم الذين علمتهم .. كثيرون هم الذين تخرجوا على يدي .. الطبيب المهندس حتى زملائي في المدرسة أكثرهم كانوا طلابي في يوم من الأيام .. جميعهم يحترمونني ويقدروني حق قدري .. لم يتجرأ علي واحدٌ منهم .. كما فعل هذا المعتوه.
مسعود : أذكر يا أستاذي أننا كنا نختبئ ذعراً منك عندما كنت تسير في الشارع . كان مجرد سماع صوتك كافياً لبث الرعب في قلوبنا .
المعلم : واليوم يأتي حفيد من أحفاد أحفادي ويرفع يديه في وجهي ويهددني بالضرب خارج المدرسة .. ها .. ها .. ها .. ( يضحك ) .. عجبي .
مسعود : ربما تذكر كذلك عندما جاءك أبي وقال لك : يا أستاذ حمدان إذا أخطأ مسعود فلا تأخذك به شفقة .. أعطيتك لحماً وأريده عظماً .
المعلم : أين هم آباء الأمس ؟ لقد أقدم والد هذا الوغد على رفع الأمر إلى الجهات المختصة وطالبهم بإنزال أقصى العقوبة بي ، ولم يكتفي بذلك بل اتصل بالصحف وصور الأمر على أنه جريمة خطيرة وكبيرة من كبائر الذنوب .. واستغلها البعض في تصفية حساباته القديمة معي .
مسعود : ياه .. لقد تغير الزمن كثيراً .. يا معلمي . 
المعلم : كثيراً يا ولدي .. لم يعد الزمان زماننا .
الرجل : (من بعيد) .. لن أخرج .. لن أخرج .. إهئ .. إهئ .. ( يبكي ) .
مسعود : المعتوه .. مرة أخرى . 
المعلم : مرة أخرى .
مسعود : إنه ضحية رفقاء السوء الذين قادوه إلى هذا النفق المظلم .
المعلم : وأنت ما الذي جاء بك إلى هنا ؟
مسعود : فقط .. مجرد حادث سير أنا وصديقي النائم .. هناك .. 
المعلم : وهل ستطول إقامتكم هنا .
مسعود : أسبوع واحد ، وها نحن على مشارفه .
الرجل : ( من بعيد ) .. سأخرج .. سنخرج جميعاً .. تعالوا لنحتفل بهذه المناسبة السعيدة .. يا حمد .. يا خالد .. يا فهد .. أين أنتم ؟ لقد تركتموني على قارعة الطريق .. وانصرفتم .. عودوا .. عودوا يا أصدقائي .. لا تتركوني وحدي .. هئ .. هئ .. ( يبكي ).
مسعود : لقد بدأ يهذي .. المسكين .
( صوت قادم ، الزنزانة تفتح ، يدخل العسكري ) 
الرجل : ( للعسكري ) .. سأخرج .. سأخرج .. أليس كذلك يا سيدي ؟
العسكري : نعم .. لقد جئت من أجلك .
الرجل : ( فرحاً ) .. هيه .. ألم أقل لكم .. لم تخطئ حساباتي هذه المرة .. وداعاً يا أصدقائي .. إلى اللقاء .. لا .. لا .. لا لقاء بعد اليوم .. وداعاً .. وداعاً . 
( يتجه إلى سعد ويوقظه من نومه )
الرجل : انهض .. انهض يا صديقي . 
سعد : أووه .. سأقتلك هذه المرة . 
الرجل : انتظر .. انتظر يا عزيزي .. لقد جئت لتوديعك .. فقد أفرجوا عني أخيراً .
سعد : أنت ! 
الرجل : نعم .. والعقبى لكم . 
سعد : أخيراً .. الحمدلله .. 
الرجل : ( يقدم له الحجارة ) .. خذ هذه الحجارة .. ربما تحتاجها لتتعرف على موعد خروجك أنت أيضاً .
سعد : لقد كنت أحتاجها من قبل لأهشم بها رأسك .. 
الرجل : قد تحتاجها الآن .. مع السلامة .. مع السلامة ( يخرج ) .
مسعود : ( للعسكري ) .. إلى أين تأخذونه يا سيدي .. 
العسكري : إلى مستشفى الأمل طبعاً .. ليتابع علاجه هناك ( يخرج ) . 
مسعود : المسكين .
المعلم : كان الله في عونه . 
( باب الزنزانة ما يزال مفتوحاً .. يدخل منه مدير المدرسة )
المدير : السلام عليكم . 
المعلم : ( مندهشاً ) .. مدير المدرسة ! 
المدير : لقد جئت إليك بنفسي .. لا أريدك أن تنام هنا الليلة . 
المعلم : إنني أعتذر إليك .. فقد سببت لكم المتاعب . 
المدير : ولو يا أستاذ حمدان .. أنت قبل أن تكون زميلي في المدرسة .. كنت معلماً لي .. 
المعلم : هذا لطف منك .
المدير : لقد تم تسوية الأمر بصعوبة مع والد الطالب .. وتنازل عن الدعوى .. التي أقامها ضدك .
المعلم : والطالب .
المدير : عفى عنك .. ووقعنا محضر صلح بينكما .
المعلم : إنه طالب كريم .. أنا أشكره لقد كان كريماً معي .. طالبي يعفو عني .. دعوني أقبل رأسه ويديه .. أين هو الآن ؟
المدير : ستجده غداً في المدرسة .
المعلم : ومن قال بأني سأعود إلى المدرسة . 
المدير : ماذا تقول ؟
المعلم : لقد حررت إستقالتي منذ اليوم .. وعلى الإدارة أن تقبلها . 
المدير : أستاذ حمدان !
المعلم : معذرة يا بني .. فالزمن قد تجاوزنا كثيراً .. والعصر لم يعد عصرنا .. (يخرج).
المدير : توقف يا أستاذ حمدان .. توقف ( يخرج خلفه ) 
سعد : ( ما زال مستيقظاً ينظر لما حوله في بلاهة ) .. مسعود ما الذي يحدث هنا ؟ 
مسعود : فقط .. مجرد حلم من أحلامنا .. يمكننا الآن أن ننام بهدوء .. 
( يعودان إلى فراشهما وينامان )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق