الثلاثاء، 21 فبراير 2012

الموت صبراً - قصة قصيرة


في عصر الديمقراطيات  ؛  عصر المثاليات والشفافية الإنسانية  ؛  عصر  (  حقوق الإنسان  )  ،   والندوات العالمية المفعمة بمثل هذه المشاعر الرهيفة النبيلة . .  يموت الإنسان في ( ............ ) .....

        كل شيء يحتضر .. الماء .. الهواء .. الشمس وقد تلفعت بحمرة الشفق ، وأخذت تتوارى في خجل ، الليل وهو يبسط رداءه على شوارع المدينة ، .. كانت عقارب الساعة تزحف نحو السادسة مساء ببطء شديد عندماعاودت الطائرات المحمومة قصفها للمدينة ، بدأت صفارات الإنذار تزأر بشدة والموت يوزع هنا وهناك ، ... لكن الناس لم يعد يبالوا بذلك لقد ألفوا المنظر ، الفوا ألسنة النيران ، وتساقط الشظايا ، . . . إنهم يقبلون على الحياة في نهم ظاهر ...
        أخذت الأفكار تشتعل في رأسه وراحت الصور تتلاحق أمام ناظريه قاتمة كئيبة "..الجثث المبعثرة،رائحة الدماء المنبعثة بين الأنقاض وقد اختلطت بنداءات الاستغاثة، الوجوه الشاحبة بفعل الفقر والعوز ، الأجساد اليابسة المتهالكة ،الأطفال وهم يتضاغون، الجوع الذي يفتك بالجميع بلا رحمة ... " ضغط على عينيه عنوة ثم صرخ في حدة :
- إلى متى وهذا الحصار الكريه يجثم على صدورنا ؟ .. يقطف أرواحنا؟ يقتل أحلامنا؟ .. لم نعد نحلم بشيء .. لم نعد نحلم بشيء .....
تحجرت الدموع في عينيه وهو يشاهد جنازة صغيرة تؤم المقبرة في صمت ، لم يجد بداً من المشاركة ، جر رجليه خلفهم في تعب وتساءل مع نفسه في مرارة :
- كم هي القبور التي حفرتها ؟ .. كم هي الأجساد الغضة التي أودعتها ؟ .. الأطفال فقط يدفعون ثمن هذه الحرب الملعونة .....
لاحت له المقبرة من بعيد وقد نهضت خلفها الجدران الصامته ؛ صمت العالم إزاء ما يحدث لهم ، علق مغضباً :
- تباً جدار الصامتين .
كانت مراسم الدفن سريعة ، قفل الناس بعدها إلى بيوتهم ، بينما تكوم عند جدار المقبرة ، وأخذ يحدق ملياً في تلك القبور التي تراصت جنباً إلى جنب .. العشرات من أصدقائه وأقربائه قبروا هنا .. رحلوا في صمت .. قتلهم القصف والجوع .. والحصار الكريه ..
   كان الليل قد أتى على المدينة المنكوبة التي تدثرت ثوب الحداد بينما أخذت الطائرات المحمومة تزرع الموت في كل مكان .. وقد آب إلى بيته موجعاً بعد أن أعد مقابر جديدة لاستقبال الموتى !

محمد علي البدوي - رحمه الله تعالى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق