الثلاثاء، 21 فبراير 2012

الشمس تأكل الرجال - قصة قصيرة


قال لي جدي يوماً : لن تكون رجلاً حتى تأكلك الشمس . قال ذلك ثم ربت على كتفي في حنان  بالغ ، ودلف إلى غرفته الصغيرة الضيقة واشتغل بالصلاة ، وخلفني نهباً للأسئلة التي أخذت تتقاذفني كالأمواج الهادرة :
- وكيف تأكلنا الشمس ؟ .. أهذا القرص الذي يتوهج بالنشاط ، ويشق طريقه في السماء بصمت مهيب ثم ينغمس في البحر كالبرتقالة الضخمة هل يمكنها أن تأكلنا يوماً ما ؟! صحيح أن شعاعها يصلنا في ثمان دقائق لكنها تبعد عنا ملايين السنين فكيف تستطيع أن تأكلنا .. كيف ؟
في اليوم التالي حدث شيئٌ مفزعٌ حقاً .. !!
الشمس توقفت في كبد السماء ، ثم أخذت تقترب شيئاً فشيئاً حتى احترق كل شيء              البيوت ، الشوارع ، مدرستي الجميلة ، والغابة المجاورة ، وارتفتعت ألسنة اللهب عالياً كالجبال حتى كادت تعانق السماء ، كان بطن الشمس يكبر .. ويكبر .. ويكبر .. وفجأة !! انفجرت الشمس واكتسح الكون ظلام رهيب .
استيقظت مذعوراً كان الظلام حالكاً في الغرفة أضأت المصباح ثم أزحت الستارة جانباً عن النافذة ونظرت خارجاً إلى الشارع كانت الشمس تنتصب ساكنة في وسط السماء وهي ترسل أشعتها الدافئة في سخاء وتبسط ثوبها الأصفر على الأرض .. لم يحترق شيء لقد كان حلماً مفزعاً فقط .
مضى على هذه الحادثة عشرون عاماً أصبحت خلالها فتاً يافعاً وأنا الآن وسط حقول السنابل الذهبية أعمل مع الرجال الأشداء وقطرات العرق تتكور على جبهتي ثم تنحدر مسرعة كان العمل شاقاً ومرهقاً لكنه كان لذيذاً جداً فالعمل شرف للإنسان ومن يملك مهنة لا يمكن أن يموت من الجوع أبداً .
جاء أبي مسرعاً ، وقال في حزم :
- يكفي هذا يا بني .. أنظر .. لقد أكلتك الشمس .
أخذتني الدهشة وافتر ثغري عن ابتسامة عريضة .. وأخيراً .. أخيراً أكلتني الشمس ، إذن لقد أصبحت رجلاً .. الآن فقط عرفت ماذا يقصد جدي .. رحمك الله يا جدي لقد كنت حكيماً جداً .
بقلم / محمد علي البدوي    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق