الثلاثاء، 21 فبراير 2012

حكاية الشيطان الأسود - قصة قصيرة


- نحن في انتظارك غداً صباحاً .. لنقف على الحقيقة كاملة ؟
هكذا قال له الضابط وهو يودعه ويأخذ طريقه إلى المخفر مصحوباً بأرتال السيارات التي تبعته كاليعاسيب، بينما ظل جامداً في مكانه لا يتزحزح يشيع الجميع بنظرات اغرورقت بالدموع.
في المخفر كان ذاهلاً عمن حوله، أحداث تلك الليلة الرهيبة، ما تزال تضطرم في داخله، تجوس في نفسه ، قبع على كرسيه في صمت ، ثم تكور على نفسه في أسى، وأخذ يرهف سمعه لما سينبس به الضابط :
-        والآن... ما هي أقوالك ؟ .. كيف وقعت الحادثة ؟
لم يحرْ جوابا ً أكفهر وجهه وعلته غلالة من الضيق ، أطرق قليلاً إلى الأرض، ثم صعّد في النظر الضابط ، وعاد يرنو إلى الأفق البعيد ، يبحث عن شيء ما وسط ركام الأحداث المزدحمة ، وزخم الصور المتتابعة.. ها هو فلذة كبده ، وثمرة فؤاده ، يلج عليه وهو ينضج بالبشر وقد تأبط شهادة النجاح :
- ممتاز.. ممتاز.. يا أبي ؟
قام إليه مسرعاً، واحتواه بذراعيه في حنان، وقبله في حرارة.. لحظات ودخلت هي الأخرى ضاحكة مستبشرة:
-        وأنا يا أبي ممتازة.. أيضاً.
كانت المفاجأة سارة جداً، عقدت لسانه من الفرحة ، أخذ يرقص، ويتمتم في فرح ظاهر، عاودته حمّى الطفولة الأولى ، انتصب بينهما في سعادة ، وجعل يفكر ملياً في الهدية التي ستخلد المناسبة .
في اليوم التالي اصطحب معه جهازاً بشعاً أسوداً كالليل الحالك ، أشبه ما يكون بقبعة سوداء ، ذات نتوءات صغيرة كالمرض ، .. قدمه لهما في فخر وأخذ يزهو قائلاً:
- والآن .. ما رأيكما في هذه الهدية ؟
لم يخفيا سعادتهما به ، وقاما يلثمان يده في امتنان بالغ .. " .
أعاد الضابط سؤاله في حنق ظاهر :
- أنت .. يا عم .. تحدث ما بالك واجماً هكذا ؟
أنزل غصة علقت بحلقه ، واستوى على كرسيه ، وراح يجمع شتات نفسه الهاربة كانت الدموع قد أخذت طريقها في محاجره وأزينت على وجهه ، مما بعث الشفقة في نفس الضابط الذي غادر الغرفة مسرعاً ، وتركه نهباً لذكرياته الموجعة :
" .. بدأت الليالي الحمراء .. والسهرات المتواصلة .. تعرف الإبن على رفقاء السوء كان الأب يشعر بحجم المأساة ويخشى من القادم المجهول ، فطوارق الليل آتية والأيام حبلى بالمفاجآت .. وحدث ما كان في الحسبان !!
تلك الليلة كان الجو بارداً جداً ، وحفيف الأشجار يبعث على الخوف ، الساعات تزحف بطيئة كئيبة مصحوبة بجيش الظلام القاتم ، قهقهات شيطانية تنبعث من غرفة الإبن ، ورائحة الحشيش تزكم الأنوف ، .. أحداث فيلم السهرة تأخذ الأبصار .. وفجأة !!  
صرخات استغاثة .. ضوضاء .. أشياء تتحطم ؛ كانت الذئاب البشرية تهاجم الفتاة ، تريد الظفر بالضحية ، أسرع الأب إلى ابنته أراد أن يستنقذها منهم ، أن ينتزعها من بين براثنهم .. ذهبت محاولاته سدى .. فهاتف رجال الأمن .. ولكن .. بعد فوات الأوان ... " .
اجتاحته نوبة عارمة من البكاء ، وبدأ يهذي كالمجنون :
- الوحش .. عليكم بالوحش .. إنه هناك على سطح المنزل .. الشيطان ما زال فاغراً فاه .. يستقبل المزيد .. والمزيد .. اقتلوه .. انتزعوا القبعة السوداء من على أسطح منازلكم .. الشيطان الأسود .. الشيطان الأسود ..  إنه هناك ..

                                                               بقلم / محمد علي البدوي
                                                     عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق