الثلاثاء، 21 فبراير 2012

قافلة الوت - قصة قصيرة

... وأخيراً توقفت القافلة البشرية بعد مسير طويل ، وقف القائد يلقي نظرة على بقايا قافلته ، كانت الوجوه شاحبه والمأساة بكل أبعادها قد رسمت على وجوه النساء اللواتي جلسن يمضغن الصبر ، الأطفال فقدوا حتى متعة اللعب ببقايا لعبهم التي طالتها الحرب، وقف القائد يقلب النظر في بقايا القافلة ويعيده إليهم فيعتصره الألم وتطويه الحسرة ويدور بداخله حديث هامس :
(( ... لن أنسى أبداً صور الحرب الرهيبة ، لن أنسى اللواتي مثل على صدورهن بالصليب ، واللواتي أخذن عنوة من بين أيدينا واغتصبن حتى الموت ، الأطفال الذين تركناهم صرعى على قارعة الطريق بعد أن اخترمهم الموت ، لم نستطع حتى مواراتهم التراب .. المدينة التي فارقت الحياة مات فيها كل شيء ، كل شيء ، لقد غدت(سربنتشا) بقايا أطلال بالية غادرتها الحياة وسكنها الموت عنوة ....
الوجوه الشاحبه ما زالت ترمق وجه القائد ووهج الشمس الحارق يؤذي الصغار فيطلقون صرخات متقطعة كأصوات رصاص القناصة الذي أخذ يغطي المكان ويبعث في النفس الشعور بالخوف ، ... فجأة !!! استقرت رصاصة غادرة في جسد الصغير وهو في حضن أمه ، هالها المنظر ، أخذتها الدهشة ، برد جسم الصغير شيئاً فشيئاً توقف صراخه ، لقد كان المشهد مؤثراً اختلطت فيه دموع الأم المفجوعة بدماء صغيرها المتتابعة بغزارة .
- لم يعد المكان آمناًهنا . قالها القائد في نفسه ، وقد أعطى أوامره بسرعة التحرك ومواصلة السير وترك الصغير على قارعة الطريق تشخب دماؤه وتتقاسمه الكلاب الضالة بعد أن شيعه الجميع بنظراتهم الحزينة وواصلوا سيرهم نحو المجهول .....
طائرات الحلف ما زالت تستعرض في السماء الملبدة بالغيوم ، والقبعات الزرقاء تنتشر بكثرة ولكن دون جدوى .
- المؤامرة عالمية :
قالها القائد وهو يعانق بناظريه بقايا قافلته المتهالكة ويقلب طرفه في تلك العجوز المسنة التي لم تعد تستطع السير لوحدها فكادت أن تسقط لولا تسابق النساء لحملها ، لقد كان المشهد رائعاً إغتصب ابتسامة خفيفة على وجه لم يستطع أن يخفيها وبعث في نفسه بصيص أمل لكن الألم عاوده من جديد وهو يشاهد في وسط القافلة طفلة صغيرة فقدت أمها وأباها وباتت يتيمة تحتضن لعبتها القديمة في أسى معلن وقد غرقت في ذهول عميق فعاد القائد إلى نفسه وحدثها في حزن :
- صبر جميل ... والله المستعان على ما يصنعون !!!!  

الأسئلة المدببة تطنّ في رأسه والهواجس الخفية تتسلل إلى نفسه ترى هل ستصل القافلة إلى الجيب الآمن ؟ لابد أن تصل إن من واجبي المحافظة عليها حتى تصل ! ولكن ما يدرينا أنه آمن ؟ لقد سقطت ((  سربنتشا )) وهي آمنة كما زعموا .. 

- اللعنة عليهم جردونا من أسلحتنا وقالوا : سنحميكم وعندما هاجمنا الصرب فروا أمامنا ، لم يعطونا أسلحتنا ولم يحمونا كما زعموا .. المؤامرة عالمية وخيوط اللعبة واضحة تماماً .... تماماً .
رائحة الموت تفوح في المكان ، وعيون غريبة تراقب القافلة ، رصاص القناصة يدوي بعنف والموت يخترم عدداً من النساء والأطفال ، الدماء تختلط بالدموع والمنظر يبعث على الهلع ، القائد لم يعد ينظر إلى الوراء فقط يعطي الإشارة بيده بعد أن يبست الكلمات على شفتيه وانهمرت دموعه بغزارة .. 
الشمس تلملم خيوطها للرحيل والليل يلبس المدينة ثوب الحداد ، عندها كانت القافلة على مشارف جيب ( جيبا ) الآمن !!!   



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق