الثلاثاء، 21 فبراير 2012

موت مدينة - قصة قصيرة


رائحة الموت تفوح في أطراف المدينة ، الصمت شبه المطبق يلتحف المكان ، وأصوات الرصاص تزغرد لعرائس الفناء ، الأبنية المهدمة وبقايا الشظايا المتطايرة  رسمت بوضوح على الجدران المتهالكة ، الجثث المتناثرة في كل مكان ، تنبعث منها روائح مقززة ...
على أطراف المدينة المنكوبة وقف ( آدم ) طالب الجامعة العائد للتو يعانق بناظريه بقايا مدينته المحتضرة ، وحديث هامس في داخله : ( ما الذي جرى لك يا مدينتي ؟ جرح الأمس لم يندمل حتى يحدث بنوك جرحاً آخر ؟ إلى من توجه هذه الأسلحة ؟ لمصلحة من تسيل هذه الدماء ؟ ) .
كانت الأسئلة السوداء تحوم في رأسه بقوة ، وأفكار حزينة تعصف به وهو يتخطى بصعوبة تلك الجثث الملقاة على قارعة الطريق ( كل هذه الوجوه أعرف أصحابها ! إنهم أبناء مدينة واحدة ! بل أبناء عمومة ، ما الذي أصابهم ؟! هم أنفسهم يدفعون ثمن هذه الحرب ).... أمام ما تبقي من أطلال منزله وقف طويلاً ، لم يستطع أن يتقدم أكثر من ذلك ، صور الماضي الجميل تتراقص أمام عينيه وبقايا الأمس المنصرم تنداح في ذاكرته ، ومن بعيد كانت أصوات القنابل ودوي القذائف حبلى بالقلق ، محملة بالخوف من المجهول ، بينما المدينة ما تزال تحترق ، وهم يتراقصون في نشوة ، فيزداد وقع المأساة في نفسه ، ويعاود الحديث في داخله : ( إنهم يرقصون فرحاً بالانتصار ! وأي انتصار هذا وفيهم القاتل والمقتول ؟! وبأي شيء انتصروا ؟ رباه .. رباه ..  أي عقول هذه ؟ ) .
أقدامه المترهلة عاجزة عن حمله ، وجسمه النحيل لم يعد يقوى على ذلك ، وقد أعياه المسير وأضناه التعب ، فوقف أمام معسكر للقوات الأجنبية ، كانت القبعات الزرقاء تنتشر بكثرة ، وعيونهم المشوبة بالزرقة تبعث في نفسه مزيداً من التقزز ، صدى ضحكاتهم العالية يطن في أذنيه ، وهو يشاهد الكؤوس المترعة تفوح منها رائحة الجريمة ، وفتاة مستلبة ترقص في خجل رقصة النصر ! لم يتمالك نفسه ، قام على الفور يتهاوى في مشيته كالمعتوه ، بينما شريط المأساة يتجلى أمام عينيه في وضوح لم تحجبه دموعه الغزيرة التي أخذت تتساقط في حرقة وألم ، غاب في بقايا  مدينته المنكوبة ، وصور كثيرة أخذت تلاحقه ( المدينة التي مازالت تحترق ، الجثث الملقاه على قارعة الطريق ، الفتاة وهي  ترقص في خجل ، القبعات الزرقاء ، والدم الذي  يجري في غزارة ) .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق