الثلاثاء، 21 فبراير 2012

موعد مع الرجال - قصة قصيرة


.. الديار ليست كالديار ، الأبنية المتلاصقة بدت وكأنها أشباح متفرقة ! يخيم عليها صمت مطبق ، الليل الحالك يلبسها ثوب الحداد ، ليس هذا عهدي بقريتي ، إنني لم أزل أتذكر جيداً يوم ودعتها .. عندما أردت السفر للخارج لأكمل دراستي ، يومها بدت القرية وكأنها عروس تزف إلى خدرها ،الابتسامات تتوزع على أفواه الجميع ، أمي أبي أخي .... وجوه كثيرة مالي لم أعد أراها الآن ؟  
من بعيد شاهد ضوءاً خافتاً ، ينبعث من منزل مهجور كان الضوء يقاوم هجوم الليل بضراوة بينما الصمت الموحش يطبق على المكان والظلام يبتلع القرية ، وصوت ندي بالقرآن يرافق ذلك الضوء في خشوع ، تقدم بخطوات متوجسة إلى المنزل ، طرق الباب لم يجبه أحد دلف إلى الداخل ، فكان المنظر المأساة : وجوه شاحبة ، وعيون جاحظة ترمقه في دهشة ، وقد توقفت الكلمات على تلك الشفاه اليابسة إلا من قراءة القرآن .. أطفال صرعى كأوراق الخريف المتساقطة وعجائز لعبت بهنَّ الحرب فتركت آثارها على وجوههن كأرغفة الخبز الجافة .
- إنها الحرب .. غبارها يطول كل شيء .
هكذا قال في نفسه ، وهو يشاهد ابتسامة خفيفة بدأت تتسلل إلى شفاه النساء الصامدات وعبارات ترحيب هزيلة ولدت بعد مخاض طويل .
- مرحباً بك يا دكتور .. لقد قطعت عليك الحرب ما أنت فيه من دراسة .
- لابد أنك جئت لتشارك أبناء وطنك جهادهم المقدس .
- نعم . نعم ولكن ألا يوجد بديل لهذه الحرب ؟ .. قالها في تردد .
- مثل ماذا ؟  يا دكتور .
- ألا يمكن أن نحاور الأعداء وأن نقدم لهم بعض التنازلات في سبيل المحافظة على البقية الباقية من شعبنا وأرضنا .
- ثكلتك أمك ،العدو يساومنا على ديننا وكرامتنا فهل نتنازل عن الدين والكرامة ونظل نتجرع غصص الذل المهانة .
- لكنهم أقوياء !!
- ما أخذ بالسلاح لا ترده طاولة المفاوضات بل ترده دماء الرجال .
- وأين الرجال الآن ؟
- على قمم الجبال هناك خلف المدينه لأن الصقور ترفض أقفاص الذهب وتعشق العزه والحريه،نحن معشر الشيشان سنظل نسجل ملحمة الصمود ونخوض معركة الكرامة .     .. أخذت المرأة المجاهدة ترتل آيات الجهاد فانتابه شعور بالسخرية من حلمه القديم - درجة الدكتوراه - أي أحلام ستبقى بعد ذلك والوطن مغتصب ؟ وهل من الحكمة أن نظل نحلم بالمستقبل والوطن مرتهن في يد أعدائه ؟
.. عاد الصمت يطبق على المكان والصوت الندي بالقرآن يخترق حاجز الصمت .. وهو في طريقه إلى الجبال ليخوض مع الرجال معركة الكرامة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق