الثلاثاء، 21 فبراير 2012

لــيــلــة الــقــبــض - قصة قصيرة

هذه القصة المتواضعة عشتها وعايشتها واقعاً وترجمتها قصة قصيرة ونشرتها في مجلة شباب إبان المرحلة الجامعية :

البرد قارس جداً والظلام الحالك يخنق المكان ، والعتمة الشديدة لم تفتح شهيتي للنوم ، وقع أقدام الحارس تبعث على الخوف ، وطلائع القلق تزحف إلى نفسي ، تجوس في داخلي ، صورة القبض لم تزل عالقة بمخيلتي " يوم الجمعة والمدينة تغط في نوم عميق ، كانت سيارات الأمن ترابط عند مدخل العمارة ، وأفراد رجال الأمن يتقدمون إلى غرفتي في صمت ، الطرق الشديد كان محملاً برعب مخيف والغرفة انقلبت رأساً على عقب ، عندها استسلمت يداي لسلاسل الحديد الكريهة ، والعيون المتطفلة تشيعني وأنا في طريقي إلى المخفر ، الموقف مزيج من الخوف والدهشة ، كم شعرت بذلك وأنا أقف وحيداً جامداً في زنزانتي وكأني تمثال قد من صخر ، تحوطني الهموم وتساورني الشكوك من كل جانب ، وموجات الأسئلة المبهمة تتقاذفني ، ترى ماذا في الأمر ؟ ما الذي جنيت ؟ ماذا أقول ؟ وماذا سيقال لي ؟ .. الصمت ما زال يطبق على المكان ، وعيناي تجولان في العنبر تعانق السجناء برؤوسهم الحليقة ، وثيابهم المقززة ، اللكمات المفزعة توزع مجاناً هنا ، والمعارك الطاحنة بين السجناء روتين تعود عليه الحراس ، لذا فهم لا يتدخلون غالباً إلا بعد نهاية المعركة ، .. عالم عجيب هو عالم السجن ، عالم ما وراء القضبان ، الوقت يمر ببطء ، وعقارب الساعة لا تعمل هنا ، لا نعرف ما الذي يجري وراء هذه الأسوار الصامتة فجأة جاءني صوت أحدهم :
-
السجين ( 905 ) أنت مطلوب في غرفة التحقيق . تملكني الخوف ، وسرت في جسمي رعشة خفيفة لم استطع السيطرة عليها ، بدأ العرق يحتشد على جبهتي برغم برودة المكان ، لم انبس ببنت شفه ، لم أتقدم خطوة واحدة ، فكان الحارس يدفعني بقوة .. وهناك كانت مفاجأة أخرى تنتظرني :
-
معذرة يا عزيزي ، يبدو أننا تلقينا بلاغاً كاذباً ضدك ، لقد أثبتت تحرياتنا ذلك ، نكرر الأسف الشديد ، ونرجوا ألا تخبر أحداً بكرم الضيافة التي تلقيتها عندنا ، قالها المحقق وهو يداعب سيجارة فاخرة ويرفع يده بتثاقل لمصافحتي ، ظللت واجماً ، لم أصدق الخبر ، مشاعر السعادة أخذت تجتاحني ، ترابط في أنحائي ، بيد أن سؤالاً واحداً كان يطن في رأسي بقوة ، لم أجرؤ على إظهاره للمحقق :
-
هل يمكن أن نقتطع من حياة إنسان من أجل بلاغ كاذب ؟ لماذا لا تقف أولاً على صحة البلاغ ؟
في الخارج بدأت احتسي هواء الحرية كما احتسي الطبق من الطعام ، آه .. ما ألذ الحرية ، الآن فقط عرفت لماذا يعيش الصقر في أقفاص الذهب ، .. كانت الشمس مشرقة باسمة تملأ السماء بسخاء ، وتبسط ثوبها الذهبي على الأرض ، إنها ليست كتلك التي كنت أرقبها خلف القضبان ، لقد كانت تلك حزينة وكئيبة ، أما هذه فمشرقة جميلة ، تبعث في نفسي الأمل ، وحب الحياة ، .. ما أجمل الضجيج الذي يطرق سمعي الآن ، ما أعذب الأنغام التي تعزفها السيارات ، .. بوابة الجامعة بدت وكأنها هي الأخرى تبتسم لي وتهنئني بالعودة تفتح ذراعيها لتأبطني جموع الطلاب وهو يتدافعون نحو الكلية في نشاط ، صور ومشاهد من الحياة اليومية كم أحببتها وعشقتها حد الوله .. وها أنا أعود إليها الآن .. لكن سعادتي تلك لم تدم طويلاً ، نظرات غريبة أخذت تتسلقني أينما ذهبت ، والكلمات الجائرة تتدافع على أذني :
-
احذروا منه إنه مخبر سري ، لقد قبض عليه في قضية أخلاقية ، يقال إنه مهرب مخدرات . كان جحيم الكلمات لا يطاق ، نفور زملائي يضايقني ، ورحى الشائعات الرهيب ينطحني ، أشعة الشمس الحارقة لم تبدد ضباب الشكوك المحيطة بي ، كم تمنيت العودة إلى زنزانتي الضيقة ، فأنا الآن في سجن كبير ، كبير لا حدود له ، كان السؤال الذي يلاحقني دائماً :
-
لماذا قبض عليك ؟ ما هي قضيتك ؟ كنت أعيش في دوامة ، بل في تيه كبير كبير جداً ، ماذا أفعل ؟ هل أعلنها في الملأ ؟ هل أصرخ في كل مكان :
-
بريء ، بريء من كل ما يقال عني ؟ .. لكنني عرفت أخيراً أن صوتي سيضيع في قاع الشائعات السحيق ، ولن يسمعني أحد ، فأطلقت نظري للمستقبل ، واشتغلت بما ينفعني ، ولم أعد آبه بكل ما يقال ..
أبــهــــا
عام 1416 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق