الثلاثاء، 21 فبراير 2012

طقوس - قصة قصيرة

      
-  لقد وصلنا بحمد الله .                                                          
تمتم خالي بهذه الكلمات ونحن على مشارف القرية . كان الليل يمد رواقه في صمت والقرية تغط في سبات لذيذ ، دلفت إلى منزلي فكان المشهد مهيباً ، نساء يقفن أمام غرفتي في نصف دائرة يجلسن القرفصاء يلتحقن وشاحاً أسود، الوجوه كالحة والعيون غائرة ، راعني المشهد ، ففضلت الإنسحاب في سكون .
-  جدتك تحتضر . قالتها أمي ثم قفلت راجعة إلى نصف الدائرة ، كانت وسطهن مذهولة ’ الدموع تغادر محاجرها مسرعة ، خالتي هي أيضاً زمت شفتيها ودعت الحديث لدموعها ، وبينهن وقفت الشاعرة ترسل مراثي حزينة تسبق بها الحدث :
لفى عليك اللفى  
لافى الرجال والنساء
الرجال يتدافعون إلى المنزل بانتظام يستقبلون الموت ، ينتظرون الجنازة .
-  لكن جدتي لم تمت بعد .
-  إنها تحتضر .
-  الأعمار بيد الله .
-  أصمت . قالها أحدهم وهو يوجه جموع الرجال إلى المقبرة إستعداداً للحفر .
-  بسرعة الغسالة . قالت أمي وهي تحبس دموعها تختزنها للحظة الحاسمة ، فأجبت متباطئاً .
- هل ماتت جدتي ؟
-  تعال وانظر .
-  في غرفتي الصغيرة كانت جدتي تتوسط المكان وحولها كانت تسكن أعواد الكادي والريحان ، رائحة زكية تعطر الغرفة .
-  هل هذه رائحة روح جدتي ؟ سألت احداهن فأجابت في خشوع مصطنع :
-  اصمت الملائكة هنا . ثم ولت وجهها شطر القبلة وهي تتمتم بكلمات غريبة .
كانت جدتي تتنفس بصعوبة صدرها يعلو ثم يهبط في حركة سريعة ، شخصت ببصرها نحو السقف ، الوجه القمحي بدأ يتصبب عرقاً ، يالله ..  كم تعبت هذه المسكينة آخر مرة تحدثت إليها في المستشفى كانت أحلامها كبيرة .
- اللهم ارحمها .. اللهم ارحمها .. قلت في نفسي .
جاء صوت احدهم قوياً من الخارج .
-  القبر جاهز .
ثم اردفت احداهن في تذمر واضح :
- الغسالة تنتظر .
-  كل شيء جاهز .
الليل يمد رواقه في سكون والنساء يتدافعن إلى الداخل والصمت يطبق على المكان لكن جدتي مازالت تحتضر.                                                                  * بقلم / محمد علي البدوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق