الثلاثاء، 21 فبراير 2012

وللحقيقة وجه واحد - قصة قصيرة

بقلم / محمد علي البدوي

      افترشه المرض ، أقعده ، هدّه ، عضّ عليه بنواجذه القوية ، أنشب فيه أضفاره القاتلة ، موجة من الإصفرار كست ملامح وجهه الذي تغضن تحت وطأة المرض ، هالة سوداء أخذت تزحف على عينيه الغائرتين في صمت موحش ، تهدّل عنقه ، برزت تضاريس جسمه الناحل ، حتى خصلات شعره الموغلة في البياض نفرت منه بفعل الكيماوي ..
-       للأسف .. لم يعد لك أمل في النجاة !!!!
-       أبداً .. أبداً .. يا دكتور ؟! قالها بصوت متحشرج ذليل مشوب بالحزن .
-       الأمل في الله وحده .. فهو القادر على كل شيء .
( الله ) ... ولسعته الكلمة .. أفاق من سكرته للتو .. ( الله ) أخذ يرددها في نشوة صوفية عارمة .. الآن .. بدت له الشمس ناصعة في كبد السماء .. انتفض بشده ، سرت في جسده رعشه لم يستطع السيطرة عليها ... أخذ يهذي :
-       ماذا سأقول له ؟ .. وبأي جواب سأجيبه الآن ؟
تصبب عرقه كثيراً وهو يسترجع تلك الليالي السوداء والدعوا ت  الشيطانية التي كان يروجها في قصصه ورواياته ، تلك الحداثه المزعومه وكيف تولى كبرها وحارب في سبيلها .. ماذا بقي منها الآن ؟ وماذا ستفيده اليوم ؟ .. المال .. الشهره .. الأضواء .. كل ذلك سيذهب .. وسيرحل إلى عالم الآخره .. وحيداً من كل شيء إلا من عمله .. إلا من صفحاته السوداء الموحلة .. قطب مفكراً .. زمّ شفتيه في حسرة وعاد يهذي :       
- الموت  .. القبر .. الجنه .. النار .. مفردات قادمة لا تقبل الإختزال .
قام يمشي مترنحاً بخطوات متثاقلة ،إتخذ لنفسه مكاناً قصياً وأخذ يتكور  على نفسه في أسى .. وينتحب كثيراً  .. كثيراً جداً .. في صباح اليوم التالي غرفة الإنعاش تعج بحركه غريبة وحزن موجع يلف الجميع لقد توفي الأديب الكبير بعد صراع طويل مع المرض بينما ضلت ورقه صغيرة مهملة تحت غطاءه لم يعرها أحد إهتمامه كان قد خطها البارحة بيديه وفيها : توبة  واعتذار إلى مقام الجبار .                    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق